اعتدنا كشعوب خليجية في كل عام ألا تنعقد قمة المجلس الأعلى لقادة مجلس التعاون في ظروف عادية، بل في كل عام تشهد منطقتنا تطورات سياسية واقتصادية وعسكرية بالغة الحساسية والتعقيد، وذات علاقة مباشرة بأمننا واستقرارنا ووحدتنا، وهو ما يجعلنا كشعوب وقادة أمام تحديات تتطلب وعياً استثنائياً في التعاطي معها، وشراكة فاعلة في الحد من تداعياتها، ورسم توازنات أكثر حكمة وتفهماً لمجريات الواقع، ومتطلبات المستقبل. قمة المنامة التي تنعقد اليوم تأتي والمنطقة شهدت خلال العام الحالي مواجهة عسكرية بين إسرائيل وإيران، وحزب الله من جهة أخرى، واليمن في ضربات إسرائيلية متتالية، إلى جانب تداعيات اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، والاعتداء على دولة قطر الشقيقة من قبل إسرائيل على قاعدة العديد، وهجمات الحوثيين على المصالح الإستراتيجية في البحر الأحمر، كذلك سقوط نظام بشار الأسد وحكم جديد في سورية، ورئيس منتخب في لبنان، وانتخابات برلمانية في العراق، إضافة إلى الحرب الدائرة في السودان، ووصول إدارة جديدة إلى البيت الأبيض بقيادة الرئيس ترمب وأجنداتها في المنطقة، فضلاً عن تطورات اقتصادية وأمنية لا تقل أهمية عن تلك الأحداث. هذه التحوّلات المتسارعة في أقل من عام تمنحنا مؤشرات كدول خليجية بأن الوضع لا يزال هشاً وصعباً في منطقتنا، ونحن جزء منها، وبالتالي لم يعد كافياً الاعتماد على الدبلوماسية لاحتواء تلك التحولات وتحقيق مصالحنا منها، ولكن مع تلك الجهود المبذولة سياسياً واقتصادياً من دول مجلس التعاون لتحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة؛ أصبح الرهان أكبر على وحدة الجبهة الداخلية الخليجية، وتعزيز الوعي الشعبي بين أبناء الخليج في التعامل مع تلك الأحداث وتداعياتها، والأهم التصدي لمحاولات التأزيم والتشكيك وإثارة الرأي العام من قبل قوى خارجية تجاه مشروع وحدتنا الخليجية ومصيرنا المشترك. هذا الوعي الشعبي أصبح مطلباً ملحاً ضمن مشروع مواجهة الأزمات الإقليمية في المنطقة، ورصيداً مهماً في دعم القرار السياسي الخليجي، والاصطفاف خلف قياداته التي تعمل لتحقيق مصالحنا وتطلعاتنا المستقبلية، ومن أبرزها ملفات الدفاع الخليجي المشترك، والتكامل الاقتصادي والأمني، واستقرار أسواق الطاقة، إضافة إلى الهوية الثقافية لدول المجلس التي تشكّل قيمة الاعتزاز بالمنظومة الخليجية، ودورها الإنساني والاجتماعي بين أبنائه. شعوب الخليج هي الحجر الأساس في مهمة الوعي بما جرى وسيجري مستقبلاً في المنطقة، ودورها المحوري مهم في هذه المرحلة، وخصوصاً مع هذا الفضاء السيبراني العابر للحدود، وقدرة وسائله وتطبيقاته ومحتوياته على تهديد هذا الوعي، ومحاولة عزله مع خوارزميات غرف الصدى لتبني أفكار مؤدلجة ومسيّسة تُدار بحسابات وهمية، وأخبار مضللة ومزيفة، وزادها تعقيداً تقنيات الذكاء الاصطناعي، وهو ما يجعلنا نؤكد على أهمية الوعي الشعبي الخليجي جنباً إلى جنب مع قياداته لمواصلة الأمن والاستقرار والتنمية.