×
محافظة الرياض

رحل أبونا.. وبقي أثره

صورة الخبر

ضمير متكلم * خلال مسيرتي العملية والإعلامية تعاملت مع العديد من المسؤولين في المؤسسات الخدمية، وقرأتُ الكثير عنهم، بعض أولئك عند تعيينهم يُقدمون الوعود تتلوها أخرى، وكلها يتبخر مع مضي السنوات، فلا يبقى لهم من أثر إلا خسارة المؤسسات لملايين الريالات في (تجديدهم وتأثيثهم لمكاتبهم، وفي خططهم الوهمية). ***** * ولكن كانت هناك محطة استثنائية عايشتها كان بطلها معالي الدكتور محمد بن علي العِقْـلا مدير الجامعة الإسلامية الأسبق رحمه الله وأسكنه فسيح جناته، الذي كسّر تلك القاعدة؛ إذ كان من أوائل خطواته في منصبه (التّخلي عن مكتبه الواسع)؛ ليذهب إلى مكتب صغير بسيط؛ منه رسم ونفذ على أرض الواقع تجربة فريدة وناجحة؛ نقل بها الجامعة إلى فضاء رحب من التميز داخلياً وخارجياً. ***** * فخلال ست سنوات أعيد صياغة البنية التحتية للجامعة بمشاريع كبرى وعملاقة، وكان افتتاح كلياتٍ علمية في تخصصات الهندسة والحاسب الآلي والعلوم؛ أفاد منها أبناء طيبة الطيبة وقبلهم طلاب المنح من أبناء المسلمين، وكان في الطريق حينها أخرى كالطب والصيدلة واللغات والترجمة، وغيرها، أيضاً كان هناك التوسع في برامج التعليم الموازي في الدراسات العليا في مختلف التخصصات. ***** * وفي ذاك (العهد الزاهر)، ومن ذاك المكتب المتواضع أُطْلِقَ برنامجٌ ثقافي أعاد لـ(المدينة النبوية) وهَجها المعرفي، وكان من أهدافه غَرس الانتماء للوطن، وترسيخ مفاهيم وحدة الصّـف والالتفاف حول قيادتنا الحكيمة، والتأكيد على وسطية الإسلام، وكذا سعى ذلك البرنامج إلى نشر الثقافة، وتعزيز التواصل بين المواطن والمسؤول. ***** * ذلك البرنامج -الذي كان حديث الصباح والمساء في وسائل الإعلام- استقطب كبار المسؤولين ومنهم: خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز حفظه الله –عندما كان أميراً لمنطقة الرياض-، والأمير نايف -رحمه الله-، والأمير خالد الفيصل، ووزراء المالية والتربية والتخطيط والصحة، وغيرهم كثير، كما اعتلى منبره كبار العلماء والمفكرين والأدباء والشعراء من داخل المملكة وخارجها. ***** * أما الأهم في تجربة (العقلا) فَأراه في تلك الروح الإنسانية التي بثها في شرايين الجامعة بتواضعه وأدبه الجَمّ، وممارسته الفعلية لسياسة الباب المفتوح مع منسوبي الجامعة وموظفيها الذين أنقذهم من التجميد الوظيفي، وساهم في تكريم المتقاعدين منهم بصورة دورية، أما الطلاب الذين يمثلون أكثر من (160جنسية) فكان قريباً منهم؛ فهو –رحمه الله– لا يكتفي باللقاء بهم في الجامعة ليستمع لمتطلباتهم؛ بل كان يزور طلاب المنح في سكنهم؛ ليتفقد أحوالهم؛ ولذا بقيت ذاكرتهم تحتضن صورته وسيرته العطرة؛ ففي كل مرة يعود فيها لزيارة الجامعة أو المدينة يسعون لمقابلته، وهم يُرَدّدون (أبُونَا... أبُوْنَا). ***** * الدكتور محمد العقلا -رحمه الله تعالى- الإنسان صادَقَتْ على تميزه ومحبته مدينة المصطفى عليه الصلاة والسلام عندما منحته جائزتها لخدمة المجتمع، كما أن أهلها الطيبين وفي سابقة وفاء أقاموا له حفل توديع مهيب عند مغادرته الجامعة؛ ويبقى (العقلا) رحل عن دنيانا -غفر الله له وأسكنه فسيح جناته- لكنه ترك أثراً، وأكاديمية وطنية وإدارية وإنسانية ملهمة؛ حَقُّ الوطن أن يُفِيد منها. aaljamiliyahoo.com