نقمة أعداد متزايدة من أبناء الطائفة الشيعية العراقية على الأحزاب الدينية التي تستند إلى الطائفة نفسها وترفع لواء تمثيلها أصبحت ملحوظة في المناسبات الدينية الكبرى وأهمها ذكرى عاشوراء وأربعينية الإمام الحسين، حيث باتت تلك الأحزاب تواجه المزيد من الصعوبات في ممارسة الدعاية السياسية خلالها، في مقابل بروز واضح لظاهرة توظيفها من قبل الجمهور لانتقاد السياسيين والمطالبة بحلول لأزمات داخلية. كربلاء (العراق) – كرّس إحياء الشيعة في العراق لذكرى مقتل الإمام الحسين ما يعتبره مراقبون صحوة بين أبناء هذه الطائفة ضدّ التوظيف السياسي لعقائدهم واستغلال مظلومية إمامهم من قبل الأحزاب وقادتها للاستمرار في الحكم وتحصيل المزيد من المكاسب المادية والمعنوية من ورائه. وسجّلت مصادر مواكبة للمناسبة الدينية الكبيرة انحسارا ملحوظا لظاهرة الدعاية الحزبية غير المباشرة خلالها بعد أن كانت دائمة الحضور في سنوات سابقة، وذلك على الرغم من حلول عاشوراء هذه السنة قبل أشهر قليلة من الانتخابات البرلمانية المقررة لشهر نوفمبر القادم، وعلى الرغم أيضا من أنها جرت في أعقاب أحداث وتطورات هامّة شهدتها المنطقة وأبرزها على الإطلاق الحرب بين إسرائيل وإيران، حيث كانت شخصيات وقوى سياسية عراقية حليفة لطهران تتطلع إلى أن تتحوّل المناسبة إلى فرصة للتعبير عن التضامن مع الجمهورية الإسلامية وقيادتها الدينية على وجه الخصوص ممثلة بالمرشد الأعلى علي خامنئي الذي تعرّض لتهديدات صريحة بالقتل من قبل المسؤولين الإسرائيليين. وعلى العكس مما كان منتظرا ألقت بعض الأزمات الداخلية العراقية وأخطرها على الإطلاق، أزمة المياه، بظلالها على المناسبة وذلك عندما تحولّت بعض التجمعات الدينية والمواكب المتوجّهة من مناطق بجنوب العراق نحو كربلاء للمشاركة في الشعائر الحسينية إلى منابر للاحتجاج على شح المياه ولمطالبة الحكومة بمعالجة الأزمة. طرد نائب بالبرلمان العراقي من موكب حسيني، ومشاركون في عاشوراء يحتجون على استفحال أزمة المياه في محافظة البصرة ومثّلت حادثة شهدتها محافظة ميسان بجنوب البلاد مظهرا بارزا للصحوة المذكورة عندما منعت مجموعة من المشاركين في تجمع لإحياء عاشوراء نائبا في البرلمان العراقي من اعتلاء المنبر وإلقاء كلمة له بالمناسبة، حيث قال أحد المشرفين على تنظيم التجمّع إنّ النائب كان يسعى للدعاية الانتخابية بعد أن ظل غائبا عن قضايا ميسان ومشاغل أهلها طيلة السنوات التي قضاها في مجلس النواب نائبا عن المحافظة ذاتها. وأحيا العراقيون الشيعة الأحد ذكرى واقعة الطف التي تخلّد مقتل الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب سنة واحد وستين بالتقويم الهجري. واكتظت المدن والمناطق والأحياء الشيعية وقرب ضريح الإمام الحسين في كربلاء والأضرحة المقدسة والجوامع والحسينيات والشوارع بالملايين من الشيعة لإحياء هذه الذكرى في مشهد يحيل على الحزن والمأساة. وشارك الآلاف من المعزين بشعيرة التطبير التي يقوم بها أشخاص يرتدون الأكفان ويضربون مقدمة الرأس بآله جارحة حتي يسيل الدم، فيما يتجمع آخرون على شكل حلقات للاستماع إلى قصة واقعة الطف التي يرويها خطباء متمرسون وتتخللها فعاليات الضرب على الوجوه والصدور مع تصاعد الصرخات والبكاء. وآثرت الغالبية العظمى من كبار السياسيين الشيعة وقادة الأحزاب المشاركة في العملية السياسية عدم المشاركة الميدانية في المناسبة وتجنّب الاحتكاك بالجمهور والاكتفاء في مقابل ذلك بإلقاء خطب وكلمات في أماكن مغلقة تحت حراسة مشدّدة وبمشاركة جمهور منتقى بعناية من المقربين والثقات، بينما سجلت شخصيات رسمية مشاركتها ممثلة للدولة العراقية. وأعلنت الحكومة العراقية الأحد عطلة رسمية لإحياء المناسبة بحرية في المناطق ذات الكثافة الشيعية قرب المراقد المقدسة والشوارع والمساجد والحسينيات في ظل انتشار كبير للأجهزة الأمنية. pp وقال رئيس الحكومة محمد شياع السوداني في خطاب متلفز إن “واقعة الطف تمثيل حقيقي للنهج الرسالي المحمدي الأصيل، والاتجاه الإنساني والعقائدي في تعديل المسار الذي انحرفت معه السلطة بالدولة والمجتمع”. وأضاف أن “الحسين خرج لطلب الإصلاح، وتعرية دعاية الحاكم الفاسق الذي حرف الحق، وتسلط على أمور المسلمين، ولإنقاذ دين الله ورسوله من الضياع، وكانت ملحمة كربلاء اختبارا حقيقيا للأمة، وهي ترى سبط رسول لله يخرج بأهل بيته وأصحابه، فلا عذر بعدها لمن تقاعس عن نصرة الحق”. ومن جهته دعا الرئيس العراقي عبداللطيف جمال رشيد في بيان صحفي الشعب العراقي بهذه المناسبة إلى “توحيد الصف والعمل معا من أجل ترسيخ الأمن والاستقرار ومواصلة الإصلاح ومكافحة الفساد، والارتقاء بأوضاع بلدنا وشعبنا الخدمية والمعيشية”. وأشرف السوداني باعتباره قائدا عاما للقوات المسلّحة العراقية على تنفيذ الخطط الأمنية عبر دائرة تلفزيونية مع اللجنة التنسيقية العليا المؤلفة من وزراء الداخلية والكهرباء، والصحة ومحافظي كربلاء وبابل والنجف واللجان الخدمية وقيادة العمليات وتشكيلات الشرطة والحشد الشعبي لاستعراض خطط العمل المعتمدة لضمان إنسيابية المراسم والتفويج العكسي للزائرين بلا معرقلات، بحسب بيان للحكومة العراقية. وشدد على رفع مستويات التنسيق الكامل على مختلف المستويات والفعاليات التي تشترك بها الجهات الأمنية والعسكرية والمدنية وجهد الوزارات والعتبات المقدسة. ومن ناحية تنظيمية، أكدت وزارة الداخلية الأحد عدم تسجيلها أي خرق أمني يذكر خلال مراسم زيارة العاشر من محرم الحرام. وأوضح رئيس دائرة العلاقات والإعلام في وزارة الداخلية العميد مقداد ميري أن “هذه الزيارة تُعدّ من أكثر الزيارات انسيابية وتنظيما مقارنة بالسنوات الماضية، سواء على مستوى حركة الزائرين أو الإجراءات الأمنية والخدمية”. وأضاف أن “عدد الحوادث المرورية والحرائق المسجلة يُعدّ الأقل حتى الآن، بفضل الجهود الكبيرة التي تبذلها تشكيلات الوزارة كافة، والتنسيق العالي بين الجهات الأمنية والخدمية”. وتابع أن “الخطة الأمنية والخدمية الخاصة بالزيارة تسير وفق ما رُسم لها، بكل انضباط ومرونة، وبإشراف مباشر من قبل وزير الداخلية وبمشاركة ميدانية فاعلة من قبل جميع القادة والمنتسبين”. iop ولم تغب الأزمات الداخلية للعراق عن المناسبة حيث خرج العشرات من أبناء قضاء الهارثة شمالي محافظة البصرة في تظاهرة غاضبة أمام بوابة مشروع ماء البصرة الكبير، للمطالبة بإيصال المياه الصالحة للاستخدام إلى مناطقهم، في ظل استمرار أزمة شح وتلوث المياه التي تعصف بالقضاء منذ سنوات. ورفع المتظاهرون ومعظمهم من المشاركين في المواكب الحسينية لافتات تندد بالتهميش المزمن، مرددين شعارات تطالب بإنهاء معاناتهم وتأمين حقهم في مياه نظيفة. ونقلت وكالة شفق نيوز الإخبارية عن حسين صباح رئيس جمعية الأهوار وممثل المتظاهرين قوله إن “هذه التظاهرة خرجت من رحم المواكب الحسينية، حيث ترك المشاركون مواقع خدمتهم ليتجمعوا أمام المشروع، بعدما بلغت أزمة المياه ذروتها”.