شعرت بالفزع والهلع وأنا ألعب مع ابنتي ذات الـ13 عاماً، عندما قرأت أنها أصبحت في نظر بعضهم امرأة يجب أن تتزوج. ما هذا الهراء وما هذا العبث؟ إذا كان بعضنا ممن تحجرت عاطفته، وخلت دماء الكرامة من قلبه، يعتقد بهذا، فنحن لا نعتقد ولا نرضى ولن نرضى أن تصبح فلذات أكبادنا ضحية لهؤلاء الذئاب البشرية. هل يا ترى تدعشنت قلوبنا. وهل تدعشنت عقولنا؟ وهل تدعشنت جوارحنا؟ فأردنا أن نطبق غير شرع الله ونضحِّي بزهور اليوم والغد، إني وحق الله أغلي من الغضب وأغلي من الأسى، وفي الوقت نفسه، أرثي لهؤلاء وأتألم أكثر، عندما أتخيل كيف يسوق ابنته البريئة وهي خجلى ووجلة، لا تعرف مراد والدها الدموي، وتظن أنه سيشتري لها حلوى أو لعبة تتسلى بها، أو عروساً تنام بجانبها، ولا تعي ولا تفهم أنها هي بذاتها تلك العروس. ربما يهب علينا صارخاً من يقول: أتريد تعطيل شريعة الله ورسوله؟ وأجيبه بالصرخة نفسها، بل وأشرس، كلا بل أريد أن تستوعبوا شريعة الله ورسوله، ففي القرآن الكريم تحدث عن التوافق والتواد والتراحم.. فهل يحدث هذا بين من هن أقل من سن الرشد -وهو الـ18- وبين أزواجهن؟ فلا يوجد نص في التشريع يبيح زواج الأطفال، نعم لا يوجد تحريم بالمقابل، ولكن لدينا -ولله الحمد- هذا العقل والمنطق، الذي يتيح لنا أن نميز بين المعقول وغير المعقول، وفي حديث لها عن هذه القضية، أوضحت رئيسة قسم الفقه المقارن في جامعة الأزهر الدكتورة سعاد صالح، لقناة «العربية»، الأربعاء 10-2-2010، أن الذين يعارضون هذا القانون -تحديد سن أدنى لزواج البنات- يستندون إلى أن الإسلام لم يحدد سناً معيناً للزواج، وردت على ذلك بأن الأصل في الإسلام هو المقاصد وليست الألفاظ، وفي حديث الرسول -صلى الله عليه وسلم-: «يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج»، والباءة هنا هي القدرة البدنية والقدرة المادية. وقالت إن المتجاوزين يستغلون سلطة الولي، كما في الحديث الشريف: «لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل»، على رغم أن هذا الحديث يفيد بأن الولي لا يجبر ابنته على أن تتزوج من شخص لا تريده، استغلالاً لصغر سنها، أو فقرها، وأنها لصغرها مسلوبة الإرادة. وأكدت سعاد صالح أن الدليل الشرعي يوضح أن الأب يحضر مجلس العقد من باب اللياقة، «ولكن ليس من حق الأب -إطلاقاً مهما كان- أن يجبر ابنته الصغيرة على أن تتزوج إنساناً لا ترغب فيه؛ لأن الرسول اعتبر موافقة المرأة على الزواج وعلى المهر أيضاً من شروط صحة الزواج». وحول موافقة مفتي مصر والأزهر لرأيها أجابت بأن هذا رأي الجميع، مبينةً أن «من سلطة ولي الأمر تقييد المباح؛ لأن الأصل في الإسلام الإباحة، وطالما لم يرد نص من القرآن ولا من السنة، يحدد سناً معيناً فإن من اختصاصات ولي الأمر سن القوانين، وأن يرفع سن الزواج إلى 18 سنة. (دبي /أحمد السهيمي. القاهرة /مصطفى سليمان). الدكتورة سعاد تتحدث عن رأي الشرع، وهو يعزز الرأي والمنطق الذي تثبت جميع الدراسات فيه بأن زواج الصغيرات هو جريمة ضد الإنسانية، ولا مجال للمساومة فيها. وفضلاً عن ذلك أضيف أن من شروط إتمام أزواج هو قبول الفتاة.. فهل من المنطق أن تفهم وتعي وتستوعب وهي في سن لا يسمح لها بذلك؟ في وقت اتفق فيه علماء الاجتماع وعلم النفس والأطباء على أن سن البلوغ هو 18 عاماً. لنا في السعودية تجربة رائدة في هذا المجال، وهي تقييد سن السفر للرجال، لمن هم دون الـ21 عاماً إلا بموافقة ولي أمره، ويعنى هذا أمرين: أحدهما أن تحديد الـ21 بالذات هو قناعة ببلوغه سن الرشد، والمعنى الآخر أن هذا لا يتعارض مع الشريعة، وإلا لما وافق عليه الحاكم. وفي الأخير، كثير من الأمور قد يكون بها فتاوى متضاربة، بحكم أن هذه القضايا لم تكن مثارة، أو حتى موجودة في عصر المصطفى -عليه الصلاة السلام-، فيكون هنا دور الحاكم الذي يقرر ما هو يتواكب مع العصر، مثل قضايا المصارف والتأمين والحجاب وغيره.