قرأت بارتياح ما نشر من مقالات وكلمات وعبارات وداعية وجهت لمعالي الدكتور خالد العنقري الوزير السابق للتعليم العالي بمناسبة إعفائه من منصبه بعد نحو ربع قرن قضاه في المنصب، وسبب ارتياحي ما لمسته في تلك المقالات والكلمات والعبارات الوداعية من صدق وحرارة ومشاعر فياضة قيلت في حق إنسان يستحق ما قيل فيه من ثناء وإطراء. لقد حظي الوزير العنقري بثقة العاهلين فهد بن عبدالعزيز رحمه الله وعبدالله بن عبدالعزيز وفقه الله، فترجمت تلك الثقة إلى دعم متواصل لمسيرة وزارة التعليم العالي ازدادت وتيرته في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، فكان الانجاز الكبير والقفزات الهائلة في تلك المسيرة، فمن مبان ومقرات جديدة للجامعات العريقة مثل جامعة أم القرى، التي أصبحت لها مدينة جامعة على مساحة خمسة عشر مليون متر مربع في حي العابدية شرق مكة المكرمة، إلى العديد من الجامعات الجديدة التي غطت معظم مدن ومحافظات البلاد وبلغت تكاليف إنشائها أكثر من مائتي مليار ريال، حتى أصبح هناك فائض في عدد المقاعد الجامعية في كل جامعة بعد أن كانت الأصوات ترتفع متحدثة عن وجود شح في أعداد المقاعد الجامعية، إلى البرنامج الباهر السخي للابتعاث الخارجي الذي تشرف بحمل اسم القائد الباني، حيث وصل إجمالي أعداد المبتعثين منذ دورته الأولى حتى دورته العاشرة إلى نحو ثلاثمائة ألف مبتعث ومبتعثة في مجالات شتى، منها الطب والهندسة والصيدلة وبرمجة الحاسب الآلي والإدارة والمحاسبة والقانون والأنظمة والعلوم الطبية المساعدة، وقد بدأ البرنامج يؤتي أكله بعودة آلاف من الخريجين والخريجات الذين سوف يساهمون في بناء وطنهم وتقدمه ما أتيحت لهم الفرصة للقيام بذلك. لقد ربطتني بالعديد من مديري الجامعات علاقة مودة وصداقة، فكنت أسمع منهم عن معالي الدكتور خالد العنقري ما يثلج الصدر ويسر الخاطر، فهو حريص على إعطائهم حرية الحركة والإبداع ودعم مطالب جامعاتهم ورفعها إلى ولاة الأمر بالتأييد ما دامت تصب في مصلحة تطوير أداء تلك الجامعات، وكان ينبههم دائما إلى وجوب إعطاء كل ذي حق حقه من الطلبة والمعيدين والمحاضرين وأعضاء هيئة التدريس والإداريين، وكان معاليه يؤكد لمديري الجامعات أن أنظمة التعيين والقبول واضحة أمامهم وأن عليهم التمسك بها وعدم قبول أي شفاعة حتى لو جاءتهم منه شخصيا إذا كانت تلك الشفاعة ستؤدي إلى تفضيل مرشح على آخر بغير وجه حق، وقد أراح ذلك الموقف النبيل مديري الجامعات وجعلهم أقوى في مواجهة الاحراجات الناتجة عن الشفاعات السيئة، ولكن معاليه مع ذلك كان يطلب منهم بذل قصارى جهودهم لخدمة مراجعي الجامعات وإيجاد حلول لما يعترضهم من مشاكل والتفاني في خدمتهم وإزالة الحواجز التي تحول دون وصول المراجعين إليهم. وها هو معاليه يغادر منصبه الوزاري مطمئنا إلى أنه قد قدم وأنجز واستفاد من دعم ولاة الأمر في تطوير التعليم الجامعي وإحداث نقلة في مسيرته ستظل سطورها وضاءة في سجل الوزير العنقري الذي ملأ الكرسي عندما ارتقى عليه والمنصب عند تسنمه، وظل كذلك حتى سلم الأمانة للوزير الجديد الدكتور خالد السبتي وإلى الأمام.