يبدو واضحا أنه من خلال الأوامر الملكية الأخيرة أن هناك مشروع إصلاح إداري كبيراً يطمح إلى التخلص من الترهل الإداري وتضخم القطاع العام الذي بات بدوره عبئا على الدولة ومشاريعها التنموية. ولعل عملية دمج وزارة التربية والتعليم والتعليم العالي هي خطوة أولى نحو استقلالية الجامعات بحيث تصبح كيانا إداريا مستقلا له أنظمته الداخلية وقوانينه وشخصيته الاعتبارية كمركز معرفي حضاري يتضمن معامل وحواضن وخطط التنمية، لاسيما بعد أن تحولت الجامعات تحت سقف القطاع الحكومي إلى قطاعات هائلة بطيئة الحركة وعاجزة عن أن تقوم بأدوارها تجاه المجتمع مكتفية بالجانب الأكاديمي الذي هو بدوره بات ممارسة تعليم عام. الجميع يلمح شحوب الفضاء الأكاديمي الآن مقارنة بالسابق، يخبرني أحد أقاربي أنه في بداية الثمانينيات كانت جامعة الملك سعود تنظم لقاء دوريا تستضيف من خلاله مسؤولا في الغالب بمرتبة وزير، فتعقد معه حلقة نقاش كنوع من جلسة الاستجواب البرلمانية (كما نراها اليوم في مجلس الشورى) وبالتأكيد هذا النوع من النشاط كان جزءا من مسؤوليات الجامعة في إعداد الطالب وتدريبه على الشراكة الوطنية، فالجامعة لابد أن تعرف الطلاب على مختلف الخبرات التي تسهم في صقل خبراتهم ومداركهم، وتشكل حالة انقطاع بينهم وبين حياتهم المدرسية المحدودة. بالإضافة إلى أن الجامعات آنذاك تأسست على يد مطالع وفود البعثات في المملكة الذين عادوا بخبرات ومعارف المجتمع الأكاديمي الدولي، وقطفوا لجامعاتنا خيرة الخبرات، وأذكر أنه درّسني شخصياً في الجامعة كل من (شوقي ضيف ونذير العظمة وحسن ظاظا) جميع ما سبق قبل أن يخبو ويخفت كل هذا مع هجمة فكر التطرف وتتحول قاعات الجامعات إلى فصول مدرسية، وتخبو جذوة الحراك العلمي والمعرفي، عبر هيمنة فكر محدد تمترس على مفاصل إدارة تلك الجامعات، رافق هذا ايضا على المستوى اللوجستي التضخم الهائل في أعداد الطلبة بالشكل الذي حصر اهتمام الجامعات في السيطرة وتنظيم المجاميع الهائلة مقابل دورها كمركز معرفي مهم وحيوي في صناعة التنمية وتأسيس الوعي. ولعل الآن هي الفرصة الملائمة مع الوزارة الشابة للتعليم، أن يتم إعادة تحريك الكثير من الملفات الغائبة والمسكوت عنها في التعليم العالي سابقا، ويأتي بالتأكيد على رأسها احترام البروتوكولات العلمية والقيم الأكاديمية وعدم هيمنة الأيدلوجي على حرية البحث العلمي، كدرجة دكتوراة حجبت عن الناقد الأدبي المعروف د. سعيد السريحي لأسباب ايدلوجية في جامعة أم القرى، وأخرى حجبت عن الكاتب محمد المحمود في جامعة القصيم.. وسواهما كثر. وزارة التعليم في صيغتها الجديدة لعلها نقطة انطلاق جديدة....تحدد فيه الجامعة المساحات التي تتحرك بها،فكم نكبة مرت على الوطن...التطرف الديني، العنف السياسي، الخليج العربي بموازاة الربيع العربي،التضييق على الحريات، إقصاء النساء، وجميعها مواضيع حساسة وتسبب تهديدا لاستقرار ومستقبل المجتمعات ، هل قدمت جامعاتنا 28 أي أمر واضح وملموس اتجاه هذا ؟ دراسات بحوث درجات علمية قاعدة معلومات ؟ على حسب علمي لايوجد...مؤسساتنا الأكاديمية غائبة سواء كأفراد أو كفرق عمل. لذا لعل التغييرات الإدارية الأخيرة تعيد الحيوية والألق...لمشروع المملكة الأكاديمي. لمراسلة الكاتب: oalkhamis@alriyadh.net