ينعقد اليوم مجلس الوزراء السعودي في صورة لم يعهدها سابقاً، ليس بسبب عدد الوزراء الجدد من الشبان ذوي الخلفية التقنية والبارزين في مجال الإدارة والاستثمار، بل في الطريقة التي سيعتمدها في العمل، وربما طبيعة النقاشات، فالمهمات الموكلة إلى الوزراء جميعاً لا تحتمل التأخير والانتظار، والوزير الذي لا ينجح في عرض رؤيته كاملة ولا يكافح لأجل توفير الإمكانات لها لن يتمكن، تلقائياً، من تحقيق الأهداف في الزمن المحدد. سيتردد الوزراء على مجلسهم مرات عدة في الأسبوع ليجتمعوا في لجنتين محوريتين تقدمان الخلاصات النهائية إلى الملك، محددين نقاط الاتفاق والاختلاف بينهم في الأولويات، وعارضين سبل العمل المشترك لتجاوز عوائق البيروقراطية، وصولاً إلى منجزات ظاهرة لا تغرق في سيل مخاطبات أو تدور في سلسلة لا تنتهي من اللجان والمجالس المتداخلة. مجلس الوزراء اليوم سيكون خطة عمل للمستقبل سواء أعلنت أم لا، وسيحدد الأهداف المطلوبة، خصوصاً العاجلة، من كل وزير، ولربما، وفق الرؤية التي أسسها الملك، يجرى تحديد جداول زمنية لكل مهمة، أو على الأقل أن يعمل كل وزير على تقديم رؤيته خلال فترة محددة. أبدى الملك سلمان، أمس، بعد أداء الوزراء القسم أمامه، ثقته بهم، وشدد على ضرورة العمل والإخلاص فيه، وخدمة مصالح الشعب، ليجعل من هذا اليوم بدء انطلاق المسيرة، استناداً إلى رؤية بعيدة المدى، فلا يكون الاجتماع الأول للحكومة الجديدة للتعارف والتحايا، بل للجهد والحركة، إذ لا مجال للارتخاء لسيف الوقت، كي لا يكون قاطعاً ضد من يتكاسل أمامه. المتوقع أن كل وزير سيرسم خطة عمل متعددة المستويات، مرفقة بجدول زمني لتنفيذها، فكثيرون منهم لا يستطيعون العمل سوى بهذا الشكل، وهو أصل نجاحهم في قطاعاتهم السابقة حين كان أداؤهم يتبلور في محصلة ظاهرة نهاية كل عام. الملامح الأولى للوزراء لن تتأخر كثيراً، إذ إن بداياتها ستكون نفض وزاراتهم من تقاليدها البيروقراطية، واستقطاب الكفاءات القادرة على تنفيذ الخطط الموضوعة. ولعل أول قرار سيصدر هو تحرير الوزارات من هيكليتها القديمة وتراتبيتها، التي تلزم كل وزير بالموظفين الأقدم الذين ترقوا بسبب أعوام الخدمة الطويلة لا معيار الإنتاجية والكفاءة، وإن لم يتحقق ذلك فإن خيار الوزراء هو إنشاء وظائف موازية خارج ديوان الخدمة المدنية، وهو إجراء لن يقضي على البيروقرطية، بل سيحاول الالتفاف عليها. الوزراء لن يخذلوا هذه الثقة، وستبدو الوزارات في أقصر وقت أشبه بالشركات من حيث عدد العاملين ومعايير المهارة وتفويض الصلاحيات ونبذ المركزية. لقد تجنبت التعيينات الجديدة ضخ المبتكرين والخلاقين من دون اعتبار للتخصص وملازمته للوزارة، إذ ثبت أن المسؤولين المتخصصين يغرقون في التفاصيل ويهملون الاستراتيجيات، بحكم العادات المهنية. اجتماع المجلس اليوم تاريخي، لأنه يؤسس لمرحلة مدارها الجدية والابتكار، مطلقاً موجة تفاؤل سرى تيارها القوي في المجتمع، وعبرت عنه السوق المالية في صعودها القوي أمس. دقت الساعة وانطلق السباق، فمن سيصل أولاً؟