تخيل يا سمو الأمير أن مكانا ما، على بعد مسافة قليلة من منازل المواطنين، تقرر أمانة منطقة جازان أن يكون هو المكان المخصص لمرمى النفايات، والصرف الصحي! ولك أن تتصور مدى الأذى البيئي والنفسي والصحي الذي سيلحق بهم. هذا هو تماما ما يحدث الآن لسكان قرى السعدية والحضرور والشمهانية بعد أن قررت أمانة منطقة جازان وضع مشروع مرمى النفايات والصرف الصحي على مسافة قريبة من منازلهم، والرياح تسوق أدخنة محرقة النفايات إلى منازلهم يستنشقها أطفالهم وزوجاتهم، لتضمر جلسات السمر التي كانت في الهواء الطلق النقي بعد أن لوثها هذا المشروع الذي دمر هذه القرى، وجعل أهلها يصرخون بكل ما يستطيعون، لينجحوا في الحصول على تأكيد من الرئاسة العامة للأرصاد وحماية البيئة منذ عام 2010 بأن هذا المشروع مخالف وتجب إزالته فورا، وذلك لوجوده في منطقة مأهولة بالسكان. لم تتوقف محاولاتهم عند ذلك بل تم رفع دعوى قضائية تم الحكم فيها لصالحهم وبرفع هذا الضرر عن أهالي القرى، ولكن أمانة منطقة جازان تماطل في هذا الحكم وتستأنف وكأن الأمر لا يمس صحة المواطنين ولا يمس بيئة قرى عذراء انتهكتها النفايات وشاحنات نقل الصرف الصحي التي لا تتوقف طوال اليوم عن العبث في بيئتها وصحة سكانها. يا سمو الأمير من شدة يأس سكان القرى من رفع الضرر عنهم لجأوا إلى جمعية حقوق الإنسان التي لا يعد هذا الأمر من تخصصها، ولكنهم يبحثون عن أمل لرفع الأذى عنهم. ولتعرف يا سمو الأمير مدى الضرر الذي تعرضت له هذه القرى وخصوصا قرية السعدية أدعوك إلى إنصاف أهلها، وسؤال الطفل قبل والده: لماذا تشتكون من هذا المشروع؟! ما الذي تغير في قريتكم بعد هذا المشروع؟ وسيتضح لك كل شيء. ستقرأ الألم في أعينهم ونبرات أصواتهم قبل أن تستشفها من كلماتهم. أكثر من سبع سنوات وسكان هذه القرى يطالبون بإيقاف هذا المشروع القاتل الذي بدل صباحاتهم الندية بمواجهة مع الأدخنة والروائح السامة ولكن لا أحد يلتفت إليهم، أصبح أملهم الوحيد بعد الله هو أنت يا سمو الأمير، كل ما يؤملونه منك هو أن توقف هذا الأذى عنهم بصفتك الحاكم الإداري للمنطقة. ولو سألت الرئاسة العامة لحماية الأرصاد عن هذا الأمر فستكون الإجابة كالمعتاد: أن هذا المشروع مخالف ولم يوضع على أساس نظامي. ولو استفسرت عن الأمر في وزارة العدل لوجدت أن الحكم كان لصالح سكان القرى وهو بإزالة مرمى النفايات والصرف الصحي لثبوت ضرره على السكان ومخالفته للشرع. الجهة الوحيدة التي ستدافع عن هذا المشروع هي أمانة منطقة جازان لأنها تنظر إلى هذا المشروع من زاوية الأرقام، كم كلفته؟ مقدار الخسائر؟ موازنة النقل إلى مكان آخر؟ وهذه اللغة -لغة الأرقام- يجب أن نتجاهلها تماما عندما يتعلق الأمر بصحة المواطن، وأمنه البيئي. لا أقولها من باب المبالغة، ولكن لو درسنا أضرار التلوث البيئي على المدى البعيد، وفي حال استمر، فإنه على أقل تقدير سيصيب 2% من سكان القرى بالأمراض الناتجة عن تلوث البيئة مثل السرطان وغيره، وستكون كلفة علاجها أعلى بكثير من كلفة نقل هذا المشروع إلى مكان آخر. ولو وقفت لجنة ميدانيا، ستشاهد من أين تمر شاحنات مرمى النفايات وشاحنات الصرف الصحي وستنظر للأشجار وهي تئن من المخلفات البلاستيكية العالقة على غصونها وأوراقها تخنقها وتمنعها عن النمو والاخضرار، وشاهد الرمال العذراء كيف انتهكت عذريتها العبوات المعدنية الفارغة والأنابيب الزجاجية المهشمة. يا سمو الأمير نرجوك أن تتدخل فهناك جريمة بيئية في منطقة جازان.