×
محافظة المنطقة الشرقية

“الإسكان”: لدينا قاعدة بيانات للتغلب على مشكلة وجود أسماء المستحقين في “الكهرباء”

صورة الخبر

خمسة عقود من العمل في مجال التجريد، هي بمثابة حياة كاملة يستبد بها البناء الفكري والفني والبحث والتفتيش عن التقنيات والرؤى كي تغرد الفنانة سامية الحلبي في حدائق ألوانها وتحلق بعيداً في فضاء فردوسها المفقود. يليق بها ان توصف بأنها فنانة باحثة ومجددّة، وبأنها خميرة مؤثرات كل النظريات الفلسفية والرياضية والتأمّلية التي ظهرت في التجريد الغربي خلال مرحلة الحداثة وما بعدها. والمعرض الاستعادي الذي نظمته لها غاليري أيام بالتعاون مع شركة سوليدير في مركز بيروت للمعارض- البيال، ضم سبعين عملاً فنياً من حقبات متنوعة، ترافق مع صدور كتاب يتحدث عن مسيرتها ومراحلها الفنية. يستوحى معرض "خمسة عقود من الرسم والابتكار" من إطلاق الفنانة لدراسة حول مسمى أعمالها، ويسلط الضوء على سعيها نحو تعزيز التجريد وتجذره في الفلسفة المادية. يتوضح ذلك في نتاجها بمختلف التقنيات، مثل: الحلزون الثالث 1970، والفخ الأزرق في محطة السكك الحديدية 1977، وانتفاضة في جميع أنحاء العالم 1989، والهرم 2011 وتشير هذه الأعمال إلى نهج الفنانة الفكري في التطور التاريخي للشكلية في الفن العالمي، إذ من هنا جادلت وبحثت لإثبات إمكان موازاة التقدم التكنولوجي للبشرية بما في ذلك التطور الطارئ على المجتمعات الذي يعكس تأثير المبادئ الموجودة في الطبيعة. وانطلاقاً من هذه المعالجة التاريخية فإن الإستراتجيات التجريدية تتفاهم وتتواصل مع الخصائص الفلسفية المجربة على أرض الواقع، من خلال العلاقات بين الضوء واللون والعمق والقيمة والحركة والأرقام والإيقاعات المؤلفة من بناء الأشكال، واستمرارية الحالة الحركية، أو المكان والزمان، وتحديداً البعد الرابع. التجريد الصافي كيف يكون التجريد صافياً حراً منزهاً من القيود وفي آن صورة مواربة إن لم نقل مبطّنة عن الواقع والمعيوش؟ كيف بإمكان التجريد ان يحمل قضية أو على الأقل ذكرى لمكان أو نسمة من نسائمه في حين أن خلوه من ملامح التشخيص هو ميزة؟ كيف يمكن لشجرة زيتون ان تتحول شعلة ألوان مستعرة في الضمير كي تعبر عن الشخصية الفلسطينية وتتحول رمزا دالاً عليها؟ كيف يكون الانتماء إلى فلسطين غير معلن إلا من سبيل إثبات ما لا يمكن إثباته سوى بالفن. تلك هي التحديات التي واجهتها ساميه الحلبي (من مواليد القدس العام 1936) منذ العام 1951 حين هاجرت مع أهلها الى الولايات المتحدة الأميركية، وكأن القدر رسم طريقها منذ البداية كي تكون على تماس مع انجازات كبار المحدثين في التجريد الأميركي، لاسيما بعدما تلقت تعليمها على يد العديد من المدرسين الرائدين. فمنذ العام 1960 بدأت تعرض أعمالها في الولايات المتحدة، ثم استقرت في نيويورك العام 1972، حيث شقت طريقها مع المجريات الفنية المشكلة هناك ومارستها حتى الوقت الراهن. تبوّأت منصب أستاذ مساعد في مدرسة يال للفنون لما يقارب العقد من الزمن، كما درّست في العديد من الجامعات الأميركية في بداية حياتها المهنية. هذا إضافة إلى الاهتمام المتجدد بأعمالها مؤخراً من قبل المؤرخين ووسائل الإعلام الجديدة حيث يطرحون إعادة تقييم أعمالها وتجربتها للوحات المستندة إلى الكومبيوتر عام 1980، والذي ابتكرته من خلال برامج عرضت في شكل مباشر في مركز لينكولن ومتحف بروكلين للفنون في نيويورك، وتصنّف على أنها تنتمي إلى الفن الحركي. ثقافة العين كل أنواع التجريد في الغرب حاضر في اجتهادات سامية الحلبي، منذ المرحلة المبكرة لعلاقة اللون بالفضاء والشكل، المتصلة بدراسات أعمال ماليفيتش وألبرز والحد القاسي، التي أوصلتها الى جمالية مبسطة كامنة في طريقة تشريح الأشكال الهندسية من الداخل، انسجاماً مع تجارب ما بعد التكعيبية (التشييدية)، كما تتراءى مناظرات الإشعاعية الروسية (لاريونوف) وعلاقتها بالضوء، وتأملات موراندي الروحانية في الأشكال الهندسية التي حملت لدى الفنانة مسمى الطبيعة الصامتة، انتقالاً إلى السطح المقلّم المتعدد الألوان (البوليكرومي)، وتجارب جماعة الكولورفيلد في أميركا (ما بعد لوحة الحلزون لهنري ماتيس)، يأتي من بعدها مؤثرات التعبيرية التجريدية في فن الأكشن (بوللوك)، وما بعد التجريدية post Painterly abstraction (على الأخص فرانك ستيللا) فضلاً عن الفن البصري والحركي. تجلّـت النقلـــة النوعية لدى ساميه الحلبي في شكل خاص في قوة التلطيخ والتنقيط اللوني المغرق في الكيـــنونة المتحررة من التبعية والمـؤثرات وقيود الإيهام بالأبعاد. وفي هذا المنحى أخذت عوامل كثيرة تتضافر لإيجاد علاقات لونية وشكلانية وحركية تتصف بالطاقة الدينامية، المنبثقة من تأويلات بصرية عابرة لموضوعات قد تبدو هامشية في الواقع، سرعان ما تتحول بقعاً وأسهماً نارية وكرنفالات تدخل كلها في آلية ميكانيكية إلى حد بعيد، بما ينسجم مع سطوة الأسلوب الفني الذي أخذت معالمه تتلبور في حقبة الثمانينات. قد تكون لذلك صلة مباشرة بزياراتها المتكررة إلى القرى الفسطينية وحوارها مع الطبيعة، وكذلك التقدم التكنولوجي وبرامج الكومبيوتر التي أتاحت لها الرسم مباشرة على الشاشة في أداء تفاعلي مع الموسيقى. هذا الأداء الذي غيّر وحرّر المفاهيم الجامدة للرسم اليدوي وأملى على العين ما لا يحصى من الاحتمالات والحلول اللونية والهندسية لكأنها جماليات الآلة في عصر التجريد المعاصر. وهذا التحرر شمل انبثاق اللوحة من الجدار الى حيز الفراغ الثلاثي البعد، الى أشكال الثريات المتدلية مثل عناقيد الألوان التي يمر بها الناظر لكأنه يمشي في الكروم