ما نعرفه عن أسواق الأسهم الأمريكية أنها ضخمة وتملك كميات كبيرة من السيولة ودرجة عالية من الشفافية والتنافسية. فالقيمة السوقية لمؤشر ستنادرد أند بورز500 مثلاً، تتجاوز 20 تريليون دولار. ويتم تداول أسهم بمليارات الدولارات كل يوم. والفارق بين أعلى عرض شراء وأدنى سعر لا يكاد يذكر. وبين سعر العرض وسعر الشراء تدور آلاف عمليات التداول في ظل هذا الحيز الضيق. وتوفر مؤشرات تلك الأسواق شرائح من عقود التداول الآجلة لأولئك الراغبين في التداول على أوسع نطاق في مكونات المؤشر. ونعلم أيضاً بأن سوق الأسهم في نيويورك تعرضت يوم 6 مايو /أيار 2010 إلى هزة مفاجئة. فخلال دقائق معدودة ارتفعت أسعار الأسهم، وانخفضت في ترنح سريع غير مسبوق فاقدة 6% من قيمتها، قبل أن تتعافى من الهزة. ونتج عن ذلك خسائر في ملكيات الأسر الأمريكية بلغت 25% أحياناً، كما هي الحال لدى أسرة بروكتر أند غامبل. كانت تلك الهزة مثالاً صارخاً على خلل في أداء الأسواق الأمريكية المعاصرة. وفيما عدا الأزمة اليونانية، لم يكن وراء تلك الهزة سبب يذكر يمكن أن ينسب إلى العوامل الاقتصادية الفعلية. فلم تكن هناك حرب مستعرة ولا عمليات اغتيال، ولا حتى بيان مفاجئ من البنك المركزي. وفشلت الكثير من النظريات في تفسير فشل أسعار الأسهم المنخفضة نتيجة الهزة في إغراء المشترين الذين يتهافتون عادة على اقتناص الفرص المماثلة. وتسببت موجة بيع عارمة في العقود الآجلة في القضاء على القسم الأكبر من عمليات عروض الشراء. وحتى لوغاريتم أجهزة الكمبيوتر لم يجد نفعاً في وقف توصيات البيع واستبدالها بعبارات التريث بعد أن هوت الأسعار. ولجأ المتداولون بالوتائر السريعة إلى سحب طلبات شرائهم دفعة واحدة. وحل شحّ السيولة في كل مكان محل في السيولة، الأمر الذي فاقم أزمة الثقة بين التداول بالنقد والتداول بالعقود الآجلة. واليوم، تفاجئنا عناوين الصحف التخصصية بتفسير جديد للظاهرة ومنشئها الذي حددته في بيت صغير في هاون سلو في محيط لندن يملكه نافندار سينغ ساراو ويمارس فيه منذ عام 2009 حتى الآن عمليات تداول بالعقود الآجلة محدودة القيمة على مؤشر ستاندرد أند بورز500. ويتهم هذا المتداول بالتلاعب بأسعار الأوعية الاستثمارية بدلاً من تداولها بالطرق النظامية. والرجل متهم بالتحايل الذي يفسر هنا بإدخال عروض شراء ثم سحبها بسرعة ليوهم السوق بعمليات بيع وشراء ضخمة تساعد على رفع سعر سهم ما، أو خفضه بطريقة أو بأخرى. ولا شك في أن الذين يريدون للمؤشر ومعلومات الأسواق أن تعكس حقيقة ما يجري فيها لديهم الكثير من القوانين التي تضع حداً لمثل هذه الألاعيب. لكن لا يمكن لعاقل أن يقول إن ساراو وحده مسؤول عن كل ما حدث. فالرجل ليس مستثمراً من العيار الثقيل الذي يتداول بالمليارات، ولا بنكاً قادراً على التداول بالتريليونات. وقد كشفت التحقيقات الأمريكية الخاصة بتلك الهزة عن مسؤولية تداولات ضخمة بمليارات الدولارات على شكل عروض بيع. أما عروض شراء ساراو الوهمية، فربما شكلت نسبة لا تكاد تذكر من إجمالي تداولات ذلك اليوم، وأقصى ما وجه له من اتهام قانونياً لا يتجاوز حدود تلك العروض الوهمية. ومن الطبيعي أن يكون الاحتيال بنصف تريليون دولار على مؤشر من مؤشرات الأسواق الأمريكية غاية في الصعوبة. ولهذا فاتهام ساراو بالمسؤولية عمّا حدث أشبه باتهام نملة ترتع فوق سنام الفيل بالمسؤولية عن تعثر قدميه. ومع استمرار المسرحية الهزلية يصبح أقصر الطرق لتكوين ثروة من التداول في العقود الآجلة هو في البدء بتداول كميات ضخمة منها. وهي الطريقة التي قادت إلى اتهام ساروا بالتلاعب الذي قد يعتبره القضاء جرماً شائناً في حقه. وإذا سلمنا جدلاً بأن ساراو فعلاً مسؤول عمّا حدث يوم 6 مايو/أيار 2010 فلا بد من التسليم أيضاً بأن سوق الأسهم صار أشبه بعلبة مساحيق تجميل. فاينانشل تايمز