×
محافظة المنطقة الشرقية

رئيس «السياحة» يطلق جائزة «عميد آثاريي المملكة الدكتور عبدالرحمن الأنصاري»

صورة الخبر

يقول (شوبنهاور): "إن كل مآسينا تقريبا تنبع من صِلاتنا بالآخرين". ويبدو أن تقدم التاريخ يعمق شرخا كبيرا في علاقة الإنسان بأخيه الإنسان، وبدأ هذا الشرخ -كما ترويه الثقافات البشرية- في اللحظة الأولى تغولت فيها نزعة الشر على نزعة الخير فقتل قابيل بن أبينا آدم أخاه هابيل. وبذلك تكونت أول جريمة في التاريخ البشري، غير أن هذه الجريمة استمرت وتوسعت معها الهوة في علاقة الذات بالآخر، ويبدو أن غريزة البقاء ليست وحدها المحرك لسيطرة طرف ما على الطرف الآخر، إنما هي التركيبة البشرية المعقدة التي تفوّق فيها الإنسان على بقية الكائنات في بناء الحضارة من جهة، وفي تدمير جزء منها من جهة أخرى؛ ولذلك فإن طبيعة الاختلاف بين الناس وتعدد أفكارهم وتوجهاتهم ومشاربهم وانتماءاتهم ليسا المحرك الأول لـ"عنفيّة" العلاقة بينهم، إنما "العنف مولده التاريخ"، كما يشير ماركس في تقديمه لكتاب صديقه فردريك إنجلز المعنون في نسخته العربية بـ"دور العنف في التاريخ". اليوم، كلما تقدمت ثقافات العالم وحضارته زادت الحاجة إلى وجود الجيوش والأسلحة الفتاكة التي تحمي بها دول أو أخرى أنظمتها ومواطنيها ووجودها، غير أن تقنية العنف قد انتقلت -خلال مطلع الألفية الثالثة- من الحروب النظامية إلى حروب الجماعات المعتمدة على "الإرهاب"، فالإرهاب لا يهدد فقط مؤسسات الدول بل يهدد مؤسسات المجتمعات، لأنه -كفعل- ناتج عن أيديولوجيا معينة، تغلب عليها النوازع الدينية، التي هي أوضح التوجهات الفكرية في ممارسة العنف بين أفراد المجتمعات في الشرق الأوسط خاصة. تمر العلاقة بين الفرد والآخر بمأساة تهديد وجوده، وهذا أخطر ما قد يمرّ على الفرد في تاريخ البشرية، إذ هو اغتيال لفرصة الحياة، وقتل لفرص التعايش والسلام المستقبلي بين فرد وآخر، وأقسى ما قد تصبح عليه علاقات المجتمعات هي أن تكون مهددة في أمنها واستقرارها وحياة أفرادها التي يفترض أن تكون طبيعية، ولا سيما إذا كان هذا التهديد من ذاتها، وهذا مع الأسف هو ما يحصل اليوم في ظل وجود جماعات تكفيرية إقصائية منغلقة على ذاتها وتستمرئ ممارسة الجريمة نتيجة لنوازع عديدة، منها تطرف الفكر، والجهل، والفقر، والشعور بالظلم، بالإضافة إلى القلاقل النفسية، وقسوة الجغرافيا، وشهوة القتل التي يبدو أن جيناتها باقية مع البشر ما بقوا على قيد الحياة، ولن يتخلصوا منها نسبيا إلا بالحضارة، على الرغم من أن المجتمعات تكون طبيعية مع وجود ممارسي الجريمة، شرط ألا تزيد فيها النسبة عن نسبة منحنى التوزيع الطبيعي البالغة 2.5% من بقية أفراد المجتمع، وهذا لا يعني ضرورة السعي لسن القوانين الرادعة ومكافحة الجرائم بشتى أنواعها وطرقها وأساليبها. إن الصلة الطبيعية للذات بالآخر المختلف يصنعها الناس أنفسهم، فالمنافع الإنسانية والمصالح الاقتصادية ستبقى وجهين لعملة واحدة، تستمر بالمحافظة على علاقات واضحة قوامها المصالح والمشتركات الإنسانية، وخاصة أنه طالما أنّ هنالك أغنياء سيكون هنالك فقراء، وطالما أنّ هنالك أصحاء سيكون هنالك مرضى، وهكذا دواليك، والعالم لا يتمتع بعلاقة صحية بين أفراده؛ لأن المصالح مختلفة وإن اتفقت الأفكار والمشارب. وبالتالي فإن وجود مكان آمن في هذا العالم يبدأ من صحة العلاقة بين الذات والآخر، غير أن التحدي الكبير الذي يعيشه العالم اليوم هو وجود نموذجين مختلفين في عالم واحد، فالعالم الجنوبي للكرة الأرضية غني وثري، ثقافيا وحضاريا واقتصايا، لكنه يتخلف بشكل واضح عن ركب التطور البشري الذي يمثله العالم في شمال الكرة الأرضية، وتكريس عقد التفوق والتخلف ما بين الجهتين، فرمزية الشمال التي تمثلها المجتمعات الغربية والقارات الأخرى المنبثقة عنها تمثل هذا التفوق الحضاري، ورمزية الجنوب في المجتمعات الإفريقية والآسيوية والمجتمعات المنبثقة عنها حضاريا تمثل بدايات الحضارة ومعالم تاريخ الإنسان، لكنها أيضا تشعر العالم الغربي أن المتحف يجب أن يُزار، ولكن لا أحد يرغب بأن يعيش في متحف!