يراقب خلف الحربي، مثلنا بدهشة واشمئزاز، العبثيات الدموية، في «تورا بورا»، حيث يقبع إمام الظلام الظواهري، أو في الرقة، حيث يسن خليفة الدم سكاكينه، وحتى في «غووزا»، حيث تنهب بوكو حرام أطفال الفقراء وفي كثير من سواكن الظلمات الطباق. ويواجه أعزل ليس له من سلاح إلا الفكر وسيفه النور، والكلمة الوسط. ويخوض معركة يخاصم «الأقنعة» ويحارب فنون تحويل الدين أو الوطن إلى واجهة تجارية وغطاء للتوظيف والتسويق للانتهازيات الشخصية أو ترويج أفكار الجماعات والاحزاب. ينتمي الحربي لنا، فكراً وزهواً وشهقة وفرحاً، من نبض قلوبنا وثرانا وسحنات وجوهنا، لهذا أصبح مؤثراً وموجعاً، بل وحتى هازماً مبدعاً لواحدة من أعنف حركات الظلام القرمطية في التاريخ البشري. في حلقتين من مسلسل «سيلفي» في قناة «ام بي سي» لم يكن خلف الحربي وناصر القصبي مجرد صوتين يضيعان في لجة الهرج وضجيج المساومات والمناكفات وفنون فنتازيا «التشاوش» (تقاضب الشوش) في وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة، وإنما تمكنا من أن يشكلا كتيبة «درون» (طائرة بلا طيار) وأوجعا داعش أكثر مما توجعها قيادة «الدرون» في فلوريدا أو في مكتب مكيف ما في الولايات المتحدة، وبأوجع مما تفعل الطائرات الأمريكية التي توجه ضربات «نخبوية» و«حريرية» وانتقائية لداعش، أحياناً لاهداف انتخابية، أو لمجرد تسكيت «لجيج» ما في تلة الكبيتول التي من شيمها المستقرة الضجيج والمزيد من الضجيج. خلف الحربي وناصر القصبي أوجعا داعش، لأنهما مخلصان في مواجهتها، على عكس بقية الذين يزعمون، بهتاناً، مواجهة داعش، في وقت «يغتبطون» ويرون، داعش وأخواتها، هدايا سماوية وقدراً رائعاً مدهم بمزيد من طول العمر والأموال وساحة المناكفات والجدالات طويلاً طويلاً، حتى إنه لا يمكن تصديق ان نظام الأسد جاد في محاربة داعش، فيما هي له طوق النجاة الوحيد وبلاها سيغرق. وإذا اختفت داعش، فإن اختفاء الأسد سيكون سريعاً وسقوطه مدوياً. وأيضاً سيتعرى «آيات الله»، حواة الإرهاب الذين يغنون لثعابين الكوبرا ويراقصونها، إذ لا يمكن تصديق أن طهران ضد داعش، وداعش، ما غيرها-وبقليل من غرام أمريكي- هي التي مهدت لطهران لتفاخر باحتلال علني لكل شبر من العراق، وتتأبط «حشده» وحكومته وجيشه، وتفرض هيمنتها على الحجر والبشر والأنهار وحتى الهواء الذي يتنفسه العراقيون والأفكار التي تتوالد في مخيخاتهم. ولا يمكن تصديق أن واشنطن تجتهد كثيراً في محاربة داعش، وهي، بفضل داعش وبركات «الخليفة إبراهيم»، قد تمكنت من بيع كميات هائلة من انتاج مصانع الأسلحة الأمريكية، وتيسر لها الضغط على الدول العربية براحة أنعم وأفضل. وهل يصدق الأكراد في محاربة داعش، فيما على صيتها يستكمل الأكراد بناء دولتهم المستقلة على أراض عراقية وسورية. وربما تستعد تركيا لالتهام جزء من الأراضي السورية فيما لو تراكضت الدول إلى محاصصة متوقعة ونهب سوريا والعراق وتوزيعها هبات لكل عابر سبيل. وهذا زعيم النصرة الجولاني يقول صراحة إنه يجب أن يبقى الغرباء الأجانب في سوريا ليساندوا الأسد في إحراق بلاد الشام الخضراء وتحويلها إلى يباب. وكل ذلك يعني أن داعش صديقة لكثيرين على نحو ما، ولكنها معادية كلياً لأي عروبة أو عرب إذ هم الوحيدون الذين يشوون في نيران داعش «المصنعة» خصيصاً ضد العروبة، لهذا يواجهها العرب بقوة نبض قلوبهم وسحن وجوههم وهوياتهم والأمل بعيون أطفالهم. وما سطره الحربي وأدّاه القصبي ليس إلا «نفيراً» في قلب كل عربي ضد داعش ومصنعيها، ومسوقيها، والذين يخططون لإطالة عمرها لتمد العالم بالمزيد من فنون الظلام والظلمات. وتر ماء الفرات يشتعل.. وتحرق صبايا العراق خصلهن.. وشمس الوطن المهيب المغضب بحناء التاريخ.. تغيب.. وتجف أنهار العراق. وبلاد الله الخضراء، تذوي بساتينها فيما لعنات التاريخ تزهو.. وتفتخر الظلمات بعتمها.. وخناجرها والأشباح.. والعراق العظيم مباح..