علمت «الحياة» أن خلافاً نشب بين الأزهر والكنيسة القبطية الأرثوذكسية الأسبوع الماضي، تسبب في إرجاء اجتماع لمؤسسة «بيت العائلة» كان مقرراً أن ينعقد في مشيخة الأزهر بمشاركة شيخ الأزهر أحمد الطيب وبطريرك الأقباط البابا تواضروس الثاني. وقال لـ «الحياة» مصدر على صلة بالمؤسسة أن أعضاء «بيت العائلة» أُبلغوا بإلغاء الاجتماع قبل موعده بأقل من ساعتين، بعدما قرر حبر الأقباط مقاطعته. وتأسس «بيت العائلة» في مطلع عام 2011، بمبادرة من شيخ الأزهر والبابا الراحل شنودة الثالث، ويجمع الأزهر والكنيسة القبطية الأرثوذكسية والكنيسة القبطية الكاثوليكية، والكنيسة القبطية الإنجيلية، والكنيسة الأسقفية الأنغليكانية، ويمكن أن ينضم إليه ممثلو أي كنائس أخرى، ويضم أيضاً شخصيات عامة من خارج الأزهر والكنائس. وكان مقرراً أن ينعقد «بيت العائلة» في 17 حزيران (يونيو) الجاري في مشيخة الأزهر، ووجهت الدعوات إلى أعضائه، وفيها أن الاجتماع سيشارك فيه الطيب وتواضروس، لكن قبل موعده بأقل من ساعتين وفي ما كان بعضهم همّ بالتوجه إلى مقر المشيخة تلقى الأعضاء اتصالات من أمانة «بيت العائلة»، لإبلاغهم بإلغاء الاجتماع والتنسيق لتحديد موعد جديد، من دون ذكر أسباب الإرجاء. وأوضح المصدر الذي فضل عدم ذكر اسمه أن الاجتماع أُلغي على خلفية أزمة الكتاب الذي وزعته «مجلة الأزهر» مع عددها لشهر حزيران (يونيو) الجاري. ويُصدر الأزهر مجلة شهرية تحمل اسمه ويوزع معها مجاناً كتابين، الأول مُقدم من هيئة المجلة والثاني هدية من «هيئة كبار العلماء». ووزعت المجلة مع عددها الأخير كتاباً أثار غضب الكنيسة، لكنها لم تصدر أي تعليق رسمي في شأنه. والكتاب الذي جمع شهادات لمستشرقين غربيين عن الإسلام تحت اسم «دراسات غربية تشهد لتراث الإسلام»، أعده للنشر عضو هيئة كبار العلماء رئيس تحرير المجلة السابق محمد عمارة الذي ثار جدل في شأن انتماءاته السياسية منذ وصف عزل الرئيس السابق محمد مرسي في 3 تموز (يوليو) 2013 بأنه «انقلاب»، باعتباره «صاحب بيعة». وألح مثقفون وإعلاميون على عزل عمارة من منصبه في رئاسة تحرير «مجلة الأزهر»، منذ أطلق رسالة في أوج الصراع السياسي بعد عزل مرسي أيد فيها وجهة نظر جماعة «الإخوان المسلمين». وفي محاولة لتجنب الضغوط، شكل شيخ الأزهر قبل شهور «مجلس تحرير» للمجلة، ضم إلى جانب عمارة وزير الأوقاف السابق حمدي زقزوق وعبدالفتاح العواري. لكن أزمة إصدار مجلس الأزهر لكتاب «دراسات غربية تشهد لتراث الإسلام»، بما تضمنه من تعبيرات تطعن في المسيحية، جدد الأزمة. والكتاب يقع في 232 صفحة، وفيه باب عن «عوامل تفوق الإسلام»، يضم فصلاً اسمه «فشل المسيحية في الشرق الأوسط» تضمن شهادة المستشرق مونتغومري وات، قال عنها عمارة في مقدمة الكتاب: «هذه شهادة غربية منصفة للإسلام وحضارته وثقافته. العالم (وات) يشهد على أن انتشار الإسلام ووراثته للمسيحية في الشرق، إنما يرجع إلى الضعف الذاتي الكامن في تلك المسيحية وإلى فشلها في تلبية حاجات الإيمان الديني الذي تطمئن به القلوب، وذلك على العكس من التوحيد الإسلامي الذي حقق تفوقاً لا يُجارى في هذا الميدان، وعلى استمرارية هذا الفشل المسيحي في عصرنا الراهن، والذي يتخذ شكل تراجع المسيحية وتقدم الإسلام». وفي الكتاب باب عن «أسباب انتشار الإسلام» بين فصوله «فساد رجال الدين المسيحي كان من أسباب اعتناق الإسلام» وفصل آخر تحت عنوان «نشر المسيحية بالسيف»، استند فيه عمارة إلى شهادات للمستشرق سير توماس أرنولد. وقال عضو هيئة كبار العلماء في تقديمه لتلك الشهادات أنها «تكشف حقيقة تمثل مفارقة غريبة، وهي حقيقة انتشار النصرانية بالسيف والعنف والقهر والإكراه، بينما انتشر الإسلام بالسماحة والدعوة التي تتوجه إلى العقول وتجتذب القلوب». وبسبب الجدل الذي أثير في شأن توزيع الأزهر للكتاب، أعاد شيخ الأزهر في منتصف الشهر الجاري تشكيل هيئة تحرير المجلة ليُقصي منها عمارة. وعُلم أن الكنيسة القبطية الأرثوذكسية التي تتبعها غالبية المسيحيين المصريين، طلبت من الأزهر إصدار بيان يُعلن فيه موقفاً واضحاً من هذه الأفكار. لكن الأزهر تجاهل هذا الطلب لأيام عدة، ثم أصدر بياناً رأت الكنيسة، وفق معلومات «الحياة»، أنه «يحمل تبريراً أكثر ما يستنكر تلك الأفكار». ووزع المركز الإعلامي للأزهر قبل يوم من الاجتماع المُلغى لـ «بيت العائلة»، بياناً باسمه اعتبر فيه أن ما ورد في الكتاب «من عبارة أثارت الجدل إنما هي عبارة قالها المستشرق مونتغومري وات في كتابه الإسلام والمسيحية في العصر الحاضر، الذي نشرته مكتبة الأسرة والهيئة المصرية العامة للكتاب عام 2001 وأعيدت مقتطفات منه في الكتاب الملحق بمجلة الأزهر. هذا الرأي ذهب إليه المستشرق البريطاني ولا يعبر عن مجلة الأزهر». ولم يُرض هذا البيان الكنيسة لصدروه باسم المركز الإعلامي وليس باسم شيخ الأزهر أو المشيخة، فضلاً عن أنه لم يعلن موقفاً واضحاً مناقضاً لتلك الأفكار، ولم يُنشر أصلاً على البوابة الإلكترونية لمشيخة الأزهر، وتم توزيعه على نطاق ضيق بين الصحافيين المعنيين بتغطية أنشطة الأزهر. وأوضحت مصادر «الحياة» أن البابا قرر إزاء هذا الموقف مقاطعة اجتماع «بيت العائلة» في اليوم التالي، وأبلغت الكنيسة الأزهر بهذا القرار صبيحة يوم الاجتماع، فاتصلت أمانة المؤسسة بأعضائها قبل موعد الاجتماع بفترة وأبلغتهم بإرجائه. وأوضحت المصادر أن اتصالات ومحادثات بين قيادات في الأزهر والكنيسة تمت خلال الأيام الماضية في محاولة لتهدئة هذا الخلاف، خصوصاً بعد إقالة عمارة، وأثمرت اتفاقاً على عقد اجتماع جديد لـ «بيت العائلة» في 9 تموز (يوليو) المقبل، لكن لم يُعلن رسمياً موعد الاجتماع حتى الآن. وأكد لـ «الحياة» أعضاء في «بيت العائلة» إرجاء الاجتماع السابق الذي لم يكن موعده معلناً في شكل مسبق، إلا أنهم نفوا وجود خلافات. وعزوا الإرجاء إلى رغبة شيخ الأزهر وبابا الكنيسة في اللقاء خلال شهر رمضان، «وهو ما ارتأيا معه إرجاء الاجتماع لينعقد في رمضان». غير أن مصادر «الحياة» أكدت وجود الخلافات.