أصبحت ثقافة العين والمس والسحر هي التي تسير حياة الكثير منا ، وبها نبرر كثير من أفعالنا والأحداث التي تحصل لنا ، وغدا الإيمان بالعين والحسد أقوى من الإيمان بالقضاء والقدر لدى كثير من الناس. حتى أضحى الأمر وسواسا لدى البعض ، فبمجرد أن تبدي إعجابك وأنت تقول ما شاء الله ، يرد عليك بحقد : قل ما شاء الله ! فتقول في تبرئه لذاتك : أقسم أنني قلت ما شاء الله ! وسأقولها مرة ومرات !.. بل غدا إبداء الإعجاب أو الثناء على شخص أو شيء ، جريمة تستوجب المقت والنظر لك بريبة. وترتب عليه عدم الحديث عن أي شيء جيد أو جميل في حياة الإنسان ، والتكتم على أي نجاح أو خير يحصل له ، خوفا من العين والحسد ، وفي المقابل نشر ونثر كل الأخبار السيئة في حياة الشخص ، بأريحية بالغة لتنتشر ثقافة السواد من حيث نعلم ولا نعلم. أما موضوع الرؤى والأحلام ، وتضخيمه للحد الذي يعتقد البعض معه ، أن حياته قد تتوقف على تفسير حلم أو رؤية أو كابوس ، فهو ظاهرة العصر. واستخدمته القنوات الفاشلة والناجحة على حد سواء لتعظيم عوائدها وزيادة عدد متابعيها ، وغدت صناعة نجوم التعبير والتفسير ، منافسة بين القنوات ، الذين تفوقوا بدورهم على نجوم الفن والرياضة في شهرتهم وذيوع صيتهم. والمتأمل سيرى أن مفسري الأحلام لم يقدموا أو يؤخروا في حياتنا ، سوى بتخويف الناس في بعض الرؤى العامة كما يقولون – والتي تبشر بالفتن والمصائب ، ليشكلوا العقل الجمعي عقلا متشائما محبطا خائفا. إنها تجارة بالأرواح وتجارة بالعقول تمارس باسم الدين. وحتى القراءة التي من المفترض أن تنير ظلمات العقول تحولت لصالح هذه الموضوعات ، يشهد عليها أن كتب الجن والسحر والعين والرؤى والأحلام هي الأكثر مبيعا في كل معارض الكتب العربية. لا يستطيع أحد أن ينفي الأصل الشرعي للموضوعات السابقة ، ولكن بقليل من التفكير الموضوعي سنجد أن الآثار الواردة في كل ما سبق قليلة ، مقارنة ببقية أصول الدين ، وليست بذات الأهمية مقارنة بالصورة الكلية لكل ما ورد تشريعات ومفاهيم عظمى وحيوية ، أهمها العلم الحق القائم على الفكر واحترام العقل والنابذ للخرافة ، ومعه العمل والأخذ بكل الأسباب المادية في الحياة. حين تنسب الأمراض إلى العين سيتوقف الأطباء عن البحث عن الأسباب المؤدية لها. وحين ننسب فشلنا العائلي إلى العين أو المس أو السحر سنفشل مرة أخرى. وحين تخسر تجارتنا وتتعثر أعمالنا ، لن نقول أمام الآخرين أنها من سوء تصرفنا ، بل من آثار حاسد ، أو عمل عامل. حتى أزماتنا الاجتماعية والاقتصادية العامة ممكن أن ننسبها إلى العين والسحر ، أو ننتظر فرجها برؤيا أحد الصالحين. هذا التفكير الكارثي لا يقود سوى إلى الهاوية ومزيد من التدهور للأمة برمتها. في وقت تنهض الأمم الأخرى وتتسابق لتطوير مجتمعاتها وبناء أفرادها. إن الإسلام ليس دين الخرافة ولا الشعوذة ولا الدروشة ، بل هو أكثر دين عملي عقلاني منطقي ، لكن قضيته فيمن أخذوا منه فقط تلك المفاهيم وضخموها بفهمهم السقيم . حتى أصبح الدين أو التدين ليس هو إلا رقية وتفسير حلم ، أو ترك للأخذ بالأسباب بحجة البركة والخيرة. أو الدعاء على الكفرة الذين نستورد منهم كل احتياجات حياتنا ، من الخيط وحتى الطائرة ، وتحول الإسلام من دين السلام ورسالة الهداية ، إلى دين الحقد والكره على كل شعوب الأرض. وكأننا نكرر ما فعله اليهود الذين سموا أنفسهم شعب الله المختار ، وسموا غيرهم بالغوييم الذين خلقهم الله لخدمة الشعب المختار والذين في النهاية مصيرهم إلى النار.. وغدا العامة وحتى المتعلمون يدورون في فلك زخم الأوهام بشأن حياتهم ومستقبلهم ، بدلا من التخطيط لها والأخذ بأسباب نجاحها وتطويرها. نحن نعاني أزمة حقيقية في الفكر والمفاهيم والثقافة المجتمعية ليس سببها الدين ، بل التوظيف المغلوط لبعض مفردات الدين. رحمة العتيبي تويتر الكاتبة : @SaadRahma رابط الخبر بصحيفة الوئام: أزمة شعب الله المختار