×
محافظة المنطقة الشرقية

مرافق ترفع مسببات حرارة المياه إلى التحلية

صورة الخبر

أدركت مكتبة الإسكندرية الدور التاريخي المهم للبريد المصري، الذي يعد بحق واحدًا من أقدم مؤسسات مصر وأعرقها، لذا خصصت ذاكرة مصر المعاصرة قسماً يقدم تأريخاً وتوثيقًا للبريد المصري بدءًا من مدة حكم محمد علي باشا، وحتى نهاية مدة حكم الرئيس الراحل محمد أنور السادات عام 1981. البريد في بر مصر منشور صادر عن إدارة المشروعات الخاصة بمكتبة الإسكندرية يوثق تاريخ البريد في مصر، يأتي الإصدار ضمن سلسلة ذاكرة مصر المعاصرة، وهو تحرير الباحث عبدالوهاب شاكر، حيث يتناول نشأة وتطور البريد حتى القرن الثامن عشر، والبريد في عصر أسرة محمد علي، وطوابع البريد المصرية وأختامه، والتنظيم الإداري لمصلحة البريد. يأتي هذا الكتاب في سلسلة الكتب الوثائقية التي يصدرها مشروع ذاكرة مصر المعاصرة، حينما أعدت استطلاعاً لإحدى المجلات عن متحف البريد، ثم جاء مشروع ذاكرة مصر المعاصرة ليرصد وثائق وصور وطوابع البريد في مصر كخدمة حرصت الدولة على تقديمها للجمهور، في إطار تحديث الدولة المصرية. وفي عهد البطالمة انقسم البريد إلى قسمين، البريد السريع لنقل بريد الملك ووزيره وموظفي الدولة، وكانت تستخدم في نقله الجياد السريعة، والبطيء لنقل الرسائل بين الموظفين في داخل البلاد، ويتناول المنشور البريد في العصر العربي، حيث اهتم العرب بالبريد واستخدموه في نقل أخبار الدولة والتجسس على الولاة، ونقل الأخبار إلى الخليفة، وساروا على نفس النظام الذي وضعه الفرس والبطالمة من قبل، ويقال إن معاوية بن أبى سفيان أول من نظم البريد في الإسلام. وفي ولاية عبدالعزيز بن مروان على مصر، وصل البريد المصري إلى درجة عظيمة، فلم يكن مقصوراً على النواحي السياسية فحسب، بل كان إلى جانب تلك الأغراض يخدم النواحي العلمية أيضاً. عرف نظام البريد في عهد المماليك أنواعاً، منها البريد بواسطة الخيل وهو ما عرف بخيل البريد، وكان موجوداً في عهد الفاطميين بين مصر والشام، ولكن في عهد بيبرس وخلفائه نظم تنظيماً دقيقاً. وعن البريد في عهد محمد علي باشا، فوفقاً للمنشور يعتبر محمد علي أول من فكر في إنشاء البريد لنقل الرسائل الرسمية في العصر الحديث؛ حيث اتبع نظام الإدارة المركزية في مصر، ولذا كان حريصًا على سرعة الاتصال بموظفي حكومته لإصدار التعليمات لهم، وتلقي التقارير، لذا اهتم بنقل الرسائل الحكومية بين القاهرة، وسائر أنحاء القطر المصري، وإلى مكة والسودان والشام، وكذلك أدت زيادة عدد الأجانب بمصر وكثرة مصالحهم وشؤونهم إلى الحاجة لإنشاء بريد خاص بهم يقوم بنقل الرسائل المتبادلة بينهم وبين بلادهم الأصلية، كما أن مصر قامت بدور الوسيط بين إنجلترا ومستعمراتها في الهند في مجال نقل الرسائل، إضافة إلى أن ترقيم المنازل وتسمية الشوارع في عهد محمد علي ساعد على تسهيل خدمة البريد للأهالي. وتعد مؤسسة البريد التي أنشأها إبراهيم باشا نقلة حضارية في بلاد الشام، إذ لم تشهد قبل الحكم المصري تنظيماً بريدياً حكومياً أو خاصاً، باستثناء بريد التجار الأجانب الذي حمل لواءه الإنجليز بين بيروت ودمشق، حيث مناطق تركُز الأجانب، والجدير بالذكر أن الإدارة المصرية لم تستخدم الحمام الزاجل في نقل المراسلات السريعة، حيث حققت المؤسسة البريدية الهدف، فنقلت المراسلات بين القاهرة ومقر القيادة العسكرية في آسيا الصغرى في حوالي عشرة أيام، وهو زمن قياسي، وذلك على الرغم من الاعتماد على وسائل نقل تقليدية تمثلت في الخيل، بيد أن الفضل في ذلك يرجع للإدارة الحكيمة في ضبط البريد وسرعته. وأنشئت في عهد محمد علي إدارة البوستة للمراسلات الحكومية فقط، وكان مخصصاً لنقلها سعاة مشاة تحت رئاسة رجل يدعى الشيخ عمر حمد، ولم تكن أعمال البريد في بادئ الأمر، تتعدى حدود القطر المصري إلا أنها ما لبثت أن امتدت إلى السودان بعد فتحه عام 1821 وحينئذ بدأ استخدام السعاة الهجانة. ولما كانت الحكومة لا تسمح لسُعاتها بنقل خطابات خاصة، نظم أحد سكان القاهرة واسمه الشيخ حسن البديلي بريدًا من سعاة خصوصيين لنقل رسائل الجمهور، ولم تكن هناك تعريفة محددة عن الرسائل المرسلة بل كانت المساومة على أجر كل رسالة. لم يكن في مصر كلها حتى عام 1865 مصلحة حكومية يقال إنها مصلحة البريد، وهى السنة التي اشترت فيها الحكومة امتياز نقل البريد، وكل ما كان لدينا قبل ذلك بعض الهجانين وأصحاب القوارب والسعاة الذين كانوا يدخلون مع الأهالي في اتفاقات خاصة، لنقل رسائلهم وودائعهم من بلد إلى آخر، وهم غير آمنين عليها، وأشهر هؤلاء عمر حمد وحسن البديلي، وكان لهذا الأخير إبل خاصة لنقل البريد تسير في شرق البلاد وغربها؛ فإذا حلت قافلة البديلى في بلد تناقل الأهالي الخبر وتسابقوا إليه وسلموه رسائلهم وودائعهم من دون أي ضمان أو تأمين، ولم تكن هنالك رسوم مقررة يتقاضاها، بل كان يقدرها حسبما يتوسمه في أصحابها من الجاه والثروة، وكان يقطع المسافة بين القاهرة والإسكندرية في شهرين لاضطراره النزول إلى المدن الكبيرة والمبيت بقافلته في بعضها إلّا إذا طُلب منه أن يرسل هجانًا خاصًّا وقيل في بعض الروايات أن الشيخ عمر حمد نظم خطوطًا للبريد في أغلب أنحاء البلاد حتى وصل بإبله وخطوطه إلى السودان في عام 1821م، وهي براعة باهرة يدونها التاريخ لهذا المصري العصامي. ويشير منشور البريد في بر مصر إلى أن طموح الخديوي إسماعيل كان كبيراً لتحديث مصر وجعلها قطعة من أوروبا، فعمل على إدخال النظم الأوروبية إلى جميع مرافق الدولة، ونظراً لأن المواصلات البريدية كانت من أهم وسائل تقدم الشؤون التجارية والاجتماعية، اهتم إسماعيل بالبريد اهتماماً ملحوظاً. بدأ استخدام طوابع البريد لأول مرة في يناير/كانون الثاني سنة 1866، وعرفت هذه المجموعة باسم المجموعة الأولى تمييزاً لها عن عدة مجموعات لاحقة، وقامت بطبع تلك المجموعة مطبعة إخوان بيلاسي بجنوا إيطاليا، وعندما قاربت طوابع الطبعة الأولى على الانتهاء، كلفت الحكومة المصرية مطبعة بناسون بالإسكندرية بطبع كمية جديدة، وجاء هذا الطابع يحمل صورة الأهرام وأمامه أبو الهول، وعلى اليمين مسلة كليوباترا، وعلى اليسار عمود السواري، وبأعلاه وبأسفله كتابة باللغة التركية، وفي الركنين العلويين والسفليين كتابة باللغة الإيطالية، وعندما استقال موتسي من إدارة مصلحة البريد في عام 1876، عُين الخديوي إسماعيل خلفاً له مستر كليار الإنجليزي، الذي أخذ ينشئ مكاتب جديدة حتى بلغ عددها 210 مكاتب يعمل بها 830 موظفاً، وجعل توزيع المراسلات يومياً بين القاهرة والإسكندرية وجميع الجهات المهمة بعد أن كان أسبوعيًا، وفي عام 1873 اشترى الخديوي إسماعيل أسهم شركة الملاحة البحرية بالبواخر الشركة العزيزية، وحولها إلى مصلحة حكومية عُرفت باسم وابورات البوستة الخديوية فاتسع نطاق مصلحة البريد، وهكذا توسعت الخدمة فأصبح للبريد المصري عدة مكاتب في إسطانبول وجدة وأزمير وغاليبولي وبيروت وقوله وسالونيك، ونظراً لتعذر وصول البريد إلى الأماكن البعيدة عن خطوط السكك الحديدية، أنشئ في أول مايو/أيار عام 1899 نظام الخطوط الطوافة، فكان يتم تكليف شخص يسمى الطواف بتوصيل البريد إلى المناطق النائية سيرًا على الأقدام، وكان يقدر عدد هذه الخطوط ب 384 خطاً في عام 1931، وبلغ عدد المحطات الواقعة على هذه الخطوط 3164 في عام 1931، وفي أغسطس/آب عام 1921 أنشئ أول بريد لنقل المراسلات العادية بالطائرات من القاهرة إلى بغداد، وكانت تتولى نقله فرقة الطيران الملكية البريطانية، وكان البريد الجوي يسافر من مدينة هليوبوليس مرة كل أسبوعين. وفي ديسمبر/كانون الأول سنة 1926، حلت شركة الطرق الجوية الإمبراطورية محل فرقة الطيران الملكية البريطانية، وألحقت مصلحة البريد في أول أمرها بنظارة الأشغال ثم نقلت تبعيتها، بعد ذلك لعدة نظارات، وفي ديسمبر 1865 ألحقت بديوان عام المالية، وفي عام 1919 صدر القانون رقم 7 بإنشاء وزارة المواصلات التي تشمل السكك الحديدية والتلغرافات والتليفونات ومصلحة البريد ومصلحة الموانئ والطرق والنقل الجوي. في عام 1931 صدر قانون شامل تناول جميع رسوم نقل البريد، ونقل في هذا العام مقر إدارة البريد من الإسكندرية إلى القاهرة واستقرت بمبناها الحالي بميدان العتبة، وفي عام 1957 صدر قرار رئيس الجمهورية رقم 710 بإنشاء هيئة البريد المصرية لكي تحل محل مصلحة البريد. بصمات الخديوي إسماعيل أدرك الخديوي إسماعيل أهمية تمصير مرفق البريد، وفي 25 ديسمبر 1865 تم رسمياً دمج البريد الحكومي والبريد الإفرنجي فيما عرف باسم البوسطة الخديوية، كما يشير إلى أنه بإتمام تلك الصفقة استطاعت مصر استرداد سيطرتها على جزء مهم وحيوي من مرافقها، وأيضاً استعادة مصدر مهم من مصادر الدخل للحكومة المصرية، ويتطرق المنشور إلى طوابع البريد المصرية، حيث كان نظام البريد يعتمد على استلام أجور نقل المراسلات نقداً وسلفاً على أساس التعريفة التي كانت تضعها البوسطة الأوروبية، وبعد إدارة الحكومة للبريد ظلت تتبع ذلك المنهاج حتى عام 1865، عندما صدر الأمر بتكليف موتسي بك بالسفر إلى أوروبا للتوصية على طبع طوابع البريد لاستعمالها في التخليص على المراسلات أسوة بما يحدث في أوروبا، واعتبرت هذه الطوابع كالعملة النقدية وكانت لها قيمة مقررة ، وسلمت تلك الطوابع إلى المالية فور وصولها إلى القاهرة لتحفظ بها تمهيداً لطرحها في الأسواق. أصل الكلمة يوضح منشور البريد في بر مصر اختلاف المؤرخين في أصل وتفسير كلمة بريد، حيث أرجعها معظمهم إلى أصل عربي، وأرجعها بعضهم إلى أصل فارسي، اعتمادهم في ذلك أنها مأخوذة من كلمة (بريد دم) الفارسية ومعناها (مقصوص الذنب)، لأنه كان من عادة الفرس أن يقصروا أذناب الخيل والبغال التي ينقلون عليها البريد تمييزاً لها عن غيرها، وقال فريق آخر إن كلمة بريد ترجع إلى الأصل اللاتيني بمعنى دابة البريد أو حصان البريد، أما كلمة (بوستة) المستعملة في اللغة العربية الدارجة فإنها مأخوذة من الأصل اللاتيني postita station ومعناها محطات البريد التي كان الرومان يقيمونها بين كل مسافة وأخرى، ويعتمد الذين أرجعوا هذه الكلمة إلى أصل عربي على أنها مشتقة من كلمة برد أو أبرَد بمعنى أرسل، والاسم منها بريد فيقال أبرد بريداً أي أرسل رسولاً، ويقال أيضاً إنه في اللغة العربية (البريد) كلمة عربية الأصل مشتقة من (البردى) أي العباءة، فقد كان الرسل الذين يحملون الرسائل من بلد لآخر يلبس كل منهم بردة حمراء للدلالة عليه، ويوضح منشور البريد في بر مصر، الذي يوثق تاريخ البريد في مصر، أن مصر عرفت البريد منذ أقدم العصور، حيث قام الفراعنة بتنظيم نقل البريد خارجياً وداخلياً، وكانوا يستخدمون سعاة يسيرون على الأقدام يتبعون ضفتي النيل في ذهابهم وإيابهم في داخل البلاد، ويسلكون إلى الخارج عبر الطرق التي تسلكها القوافل والجيوش، حيث قامت في عهد الفراعنة حكومات منظمة ذات (إدارات، مكاتب، وموظفين، وجيوش، وأساطيل) يتصل ملوكها برعاياهم في الأقاليم وفى البلاد التي قاموا بفتحها، فضلاً عن وجود رسائل متبادلة بين فراعنة مصر وحكام البلاد المجاورة التي كانت تربطهم بهم صلات تجارية وسياسية، وأول وثيقة جاء فيها ذكر (البريد) يرجع تاريخها إلى عهد الأسرة الثانية عشرة (نحو 2000 ق.م)، وكانت وصية كاتب لوالده يطلعه فيها على أهمية صناعة الكتابة والمستقبل المجيد الذي ينتظره في وظائف الحكومة، وقال في رسالته: أما ساعي البريد فإنه يحمل أثقالاً فادحة ويكتب وصيته قبل أن ينطلق في مهمته توقعاً لما قد يصيبه من الوحوش والآسيويين).