×
محافظة الرياض

سكنت مع نصراوي ... وخميس يرد: ابني هلالي

صورة الخبر

لم يتوانَ خصوم الأمة العربية من استخدام أي ورقة يرونها ناجعة في بث الفرقة والتفكك في العالم العربي، بدءاً من استخدام وسائل الإرهاب الفكري إلى الإرهاب السياسي والعسكري، بهدف زعزعة أمن واستقرار المجتمعات العربية. وبتطور العصر تطورت أيضاً الوسائل المستخدمة في بث الفرقة والتفكك. تفعيل الهويات المحلية والطائفية هي إحدى أخطر الوسائل المستخدمة حالياً في بث الفرقة والتفكك في العالم العربي، فإثارة النزعات والهويات المحلية قد أصبحت اليوم من القضايا التي استطاعت أن تبث روح قميئة في العالم العربي ومجتمعاته. وقد اعتمد الخصوم على وسائل عدة أهمها الوسيلة الإعلامية، فجند العشرات من القنوات الفضائية، التي لا هم لها على مدار الساعة إلا إثارة الفتنة والتركيز على الاختلافات البسيطة وتضخيمها لتصبح فارقاً كبيراً عوضاً عن التركيز على ما يجمع المسلمين من قيم دينية ومبادئ سامية أتى بها الإسلام رحمة للعالمين. لقد استطاعت هذه الوسائل تفعيل روح الفرقة والاختلاف، وصرفت أنظار البعض عن الهدف المشترك ألا وهو العدو الصهيوني الذي عاث فساداً في الأراضي الفلسطينية يقتل ويقسم ويشتت. لقد استطاع هذا الإعلام المسير التركيز على نقاط الاختلاف عوضاً عن نقاط التلاقي بين المذاهب، وصرف أنظار المسلمين عن التحديات التي تواجه العالم الإسلامي في دينه ومعتقده وتراثه الفكري والروحي. سلاح المذهبية والطائفية المستخدم الآن نجح في بث الفرقة، وتفكيك العالم الإسلامي إلى فرق متناحرة ومختلفة، فروقات لم يستفيد منها إلا خصوم العالم العربي والإسلامي. اليمن وسوريا والعراق وليبيا ومصر ولبنان جميعها نماذج لما يتعرض له عالمنا العربي من مؤامرة طائفية كبرى، تستهدف مقدرات هذه الدول وتاريخها في التصدي للعدو الصهيوني. والمعروف أنه منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر تكون لدى الآخر مفاهيم معينة عن الإسلام والمسلمين. ويمكن أن تكون أحداث الحادي عشر من سبتمبر حدثاً مفصلياً بالنسبة لكل من الغرب والمسلمين، فبالنسبة للغرب فقد فتحوا أعينهم على قوة الإسلام وتغلغله في نفوس أتباعه والقوة الروحية المستمدة من تعاليمه. أما بالنسبة للمسلمين فقد فتحوا أعينهم على حقائق عديدة أهمها ضرورة تلاحمهم في وجه خصومهم والأعداء المتربصين بهم، وهي حقائق يجب تفعيلها اليوم. إن خصوم العالم العربي يدركون أهمية إثارة ملفات الطائفية والمذهبية والنزعات المحلية، لما لها من تأثير على الاندماج الاجتماعي وبناء الأمة، كما أنهم يدركون تأثير الانقسام المجتمعي على تماسك الدول. ونظرة واحدة لما يشهده الوطن العربي، منذ الاحتلال الأميركي للعراق في عام 2003 وحتى هذه اللحظة ليدرك مدى الضرر الذي لحق بالعالم العربي، فقد تحولت الكثير من دوله إلى ساحة تنافس بين الفرق الدينية والهويات المحلية نتج عنها صراعات داخلية أنتجت فرق مسلحة وميلشيات عسكرية أخذت القانون في يدها، واستقطابات سياسية لفرق وأحزاب حتى خرجت الأمور من يد بعض الأنظمة ودخلت بعض البلدان في نفق الحروب والصراعات الأهلية. إن أهم التحديات التي تواجه العالم العربي اليوم هو الإدراك أن إثارة النزعات الطائفية والهويات المحلية هي قضايا لن يستفيد منها إلا الخصوم، فعلي العالم العربي وخاصة النخب مسؤولية كبيرة وهي تجنيب المجتمعات العربية الدخول في نفق الصراعات والهويات الطائفية والمحلية. ولا يوجد حل إلا باللجوء إلى الهوية العربية المدنية التي يجب أن تتفوق على غيرها من الهويات لأنها السبيل إلى بناء مجتمع مدني ودولة قومية. كما أنه من دون تغليب المصالح العامة على المصالح الضيقة والفئوية لا يمكن للعالم العربي أن يتحد في مواجهة خصومه. لقد سهل الخصوم تغلغل تلك الصراعات الداخلية، لأنها أسهل سلاح يمكنهم من تحقيق أهدافهم. ولا يوجد حل لمواجهة هذا التحدي إلا بالوقوف متحدين ومتماسكين، نعزز أوجه تقاربنا ونتجنب فيه أوجه اختلافنا. ولنأخذ أوروبا قبيل الحرب العالمية الثانية مثالاً، فقد خرجت من الحرب مشتتة ومدمرة، ولكنها عادت قوة متحدة تبهر العالم، وتنافس أقوى القوى الموجودة على الساحة العالمية. إن العالم العربي بحاجة إلى قيادات سياسية محنكة، تضع مصالح شعبها فوق مصالح الأحزاب والفئات والطوائف، وإلى نخب واعية لدورها في هذه المرحلة الحساسة من تاريخنا، وإلى شعوب لا تنقاد وراء أفكار ومصالح فئوية خارجية. بهذا يكون العالم العربي قد جنب نفسه واحدة من أخطر وسائل تفكيكه من الداخل.