أيا ما كان الرئيس المنتخب في الأرجنتين، فإن البلاد التي يحتل اقتصادها المرتبة الثالثة في أمريكا اللاتينية، تتجه نحو تحرير اقتصادها الذي اعتمد الطريقة الحمائية في إدارته خلال رئاسة نستور ثم كريستينا كيرشنر. وبحسب "الفرنسية"، فقد بدأ الأرجنتينيون أمس الإدلاء بأصواتهم لانتخاب رئيسهم المقبل بين مرشح اليسار الوسط دانييل سكيولي والمحافظ ماوريسيو ماكري بعد 12 عاما من حكم نيستور وكريستينا كيرشنر. ويتعين على الرئيس المقبل أن يضع في مقدمة اهتماماته تسوية النزاع مع صناديق مالية حول بقايا الدين الناجم عن إفلاس الأرجنتين في 2001، لإعادة مستثمرين محتملين، خصوصا في حقول فاكا مويرتا الواعدة (الغاز والنفط الصخري) في وسط البلاد. ومن دون أن يخفي استراتيجيته، يعد سكيولي بتغييرات "تدريجية"، فيما يؤيد منافسه "تعديلات تقليدية"، كما اعتبر بابلو تيغاني مدير معهد هاسير الاقتصادي الخاص. وتطالب أوساط الأعمال بتغييرات منذ سنوات، وتعرب عن تذمرها إزاء مراقبة عمليات الصرف والحد من الاستيراد والتضخم وارتفاع تكلفة اليد العاملة. ولا تستطيع كريستينا كيرشنر التي تتولى السلطة منذ 2007 بعدما خلفت زوجها نستور كيرشنر (2003-2007)، الترشح لولاية ثالثة على التوالي، كما ينص على ذلك دستور البلاد. وقال لورينزو سيغو غرافينا، المحلل الاقتصادي إنه أياً ما يكن الرئيس، ستحصل تغييرات، وليس ممكنا الاستمرار في رفع قيمة البيزو في مقابل الدولار وعملات الشركاء التجاريين للأرجنتين، مشيراً إلى أنه لا مفر من خفض قيمة البيزوس في 2016. ولأن الحصول على العملات في الأرجنتين محدود، فقد ازدهرت السوق السوداء التي يباع فيها الدولار بأكثر من 15 بيزوس في حين أنه يساوي 9.25 حسب التسعيرة الرسمية. ولاحظ خوان بابلو رونديروس المحلل في مكتب للاستشارات أن أيا من المرشحين لم يتلفظ بكلمة خفض قيمة العملة، المرادفة للتضخم وفقدان القدرة الشرائية، حتى لا يخيفوا الأرجنتينيين الذين صدمتهم أزمة 2001. لكنه قال إن ذلك لا مفر منه، لأن التضخم سيتراوح بين 20 و25 في المائة في الأشهر الثلاثة الأولى من 2016، وسواء فاز سكيولي أو ماكري، كما يقول رونديروس، فسيكون هناك بالضرورة تغييرات في الاقتصاد، وستكون 2016 سنة انتقالية، وصعبة، خصوصا في الفصل الأول، لأنه يتعين التحرك خلال هذه الفترة، متوقعاً إلغاء الدعم عن النقل المشترك وفواتير الكهرباء والغاز. ولاحظ المحلل السياسي بابلو نوبوف أن المفهوم الإيجابي للاقتصاد مرتبط بالمحيط المباشر للناخب: لديه براد ممتلئ وتلفزيون في الجدار ووظيفة تمكنه من تغطية نفقاته. إلا أن المؤشرات تسبب قلقا، فالعجز في الميزانية يتخطى 5 في المائة والاقتصاد يقترب من الركود وميزان الطاقة يواجه عجزا وسعر الصويا ينحفض، وتتراجع صادرات الأرجنتين منذ 2013، عندما بدأت تصدر عن اقتصاد البرازيل، شريكها التجاري الأول، مؤشرات ضعف. وزاد خفض قيمة اليوان أيضا من قتامة المشهد، لأن الصين من كبار مشتري المواد الأولية أو المنتجات الزراعية الأرجنتينية، وقال ماريو بليير، مستشار سكيولي، إن استعادة الثقة مسألة أساسية، لأن العجز الأساسي هو على صعيد الاستثمار. ويعرب تيجاني عن تفاؤله حيال مستقبل الأرجنتين قائلا: إنه من الواضح أن ثمة اختلالات على صعيد الاقتصاد الكلي، لكن الأرجنتين قد تخلصت من ديونها، ولا أرى أي مشكلة لا يمكن تجاوزها على الصعيد المالي أو أسعار العملات أو النقد. وبعد التخلف عن السداد في 2001، تجاوزت الأرجنتين المشكلة وسددت ديونها، بفضل صادراتها الزراعية، مستفيدة من ارتفاع الأسعار العالمية. وأعادت بوينوس آيرس جدولة ديونها مع 93 في المائة من دائنيها الخاصين، لكن الخلاف ما زال مستمرا حول 7 في المائة مع صناديق المضاربة التي ترفض أي خفض لهذا الدين، خلافا لما وافق عليه جميع حاملي السندات تقريبا. وحذر روبرتو لافانيا وزير الاقتصاد بعد أزمة 2001، من الخطر الكبير للوقوع في فخ سياسات التعديلات التي أوصى بها صندوق النقد الدولي.