لذلك البلسم السحري “الفازلين” قصة عجيبة ورحلة طويلة، منذ اكتشافه إلى أن أصبح ضرورة في كل بيت، ومع إقبال الشتاء تزداد الحاجة إليه، لحل مشكلات الجلد اليومية، وهو شريك في الصناعات الدوائية! بدأت حكايته عام 1859، حين كان الكيميائي الشاب روبرت تشييزيبرو الذي لم يتجاوز 22 عاما يبحث عن عمل، ما اضطره إلى الانتقال من ولايته إلى حيث آبار النفط في بنسلفانيا، وهناك كان الحظ في انتظاره، فلم يحصل على عمل فقط، بل قاده شغفه العلمي إلى أكثر من ذلك! لقد ظل يراقب العمال ويتابع ما يحصل حوله، ولفت نظره كثرة شكاواهم من مادة شمعية غريبة تترسب على قضبان مضخات النفط الفولاذية، وتتطلب من العمال إزالتها بين فترة وأخرى بأيديهم، لكي تعود القضبان إلى العمل، ومع الوقت لاحظوا أن هذه المادة الكريهة كانت تعالج الجروح والتشققات والحروق في أيديهم، وأطلقوا عليها اسم “شمع القضبان”! قرر روبرت أن يكتشف سر هذا الشمع، فأخذ عينات منه إلى منزله لتحليلها والتعرف على مكوناتها، ولم تكن العملية سهلة كما تصور، إذ أمضى 11 عاما في دراستها ومحاولة تنقيتها من الشوائب، وتحسين لونها ورائحتها، وفي كل مرحلة من مراحل تنقيته للشمع وتصفيته له تزداد فعاليته في معالجة الجروح والتشققات، ما دفع تشييز يبرو إلى الاعتقاد أن هذه المادة سيكون لها شأن كبير في علاج الحروق والجروح ومشكلات البشرة عموما. لذا قام بتسويقها على الصيدليات، لكن مع الأسف لم يلقَ منتجه رواجا، فقد تعود الناس على المراهم المستخلصة من الحيوانات أو النباتات، لكن أن يستخدموا منتجا بتروليا كان أمرا مستهجنا، كما أن رائحته ولونه لم يكونا مشجعين! ما اضطر روبرت إلى إيذاء نفسه، بإحداث جروح وخدوش وحرق جلده، ومن ثم معالجته بمرهمه العجيب، لكي يثبت للجميع صدق ما يدعيه، خصوصا أن مرهمه لا يتعرض للتلف مع مرور الوقت، مثلما يحدث مع الزيوت النباتية والحيوانية الأخرى! وأخيرا نجح في تسويق منتجه، وفتح أول مصنع لإنتاج المرهم الجديد وأسماه “فازلين” عام 1870، ومع مرور الزمن زادت استخداماته ولم يعد استخدامه مقتصرا على معالجة الجلد، بل تعداه إلى استخدامه كطعم لصيد الأسماك، كما يطلي به السباحون أجسامهم قبل الغطس في المياه المتجمدة، وتستخدمه النساء في إزالة المكياج وتلميع المنتجات الجلدية، حتى في إزالة البقع من السجاد! وفي السيارات تطلى به أطراف البطارية لمنعها من التآكل، وغير ذلك كثير. أما أغرب استخدامات الفازلين فهي ما قام به روبرت نفسه، حيث كان يأكل ملعقة فازلين كل يوم، وربما يرجع لها الفضل في طول عمره، حيث توفي عام 1933 عن عمر جاوز 96 عاما، حتى في سكرات الموت لم يتوقف ولعه بالفازلين، فقد طلى به جسمه من رأسه حتى أخمص قدميه قبل وفاته!