أصدرت المحكمة الإسلامية في طهران، وبحسب تقرير منشور للصحفي أمير طاهري قبل أيام، حكماً بسجن الشاعرة الإيرانية فاطمة اختصاري، والشاعر الإيراني مهدي موسوي أحد عشر عاماً، وبحسب التقرير يتضمن الحكم أيضاً الضرب بالعصا 99 مرة على مرأى من الناس،.. لكن ما هي التهمة؟.. الشاعرة اختصاري، والشاعر موسوي يكتبان شعراً غامضاً.. .. القصائد المملوءة بالغموض التي يمكن فهمها بطرق عدة والتي تشكل خطراً كبيراً... هكذا، إذاً، مجرد قصائد غامضة لشاعرين شابين، يمكن أن تشكل خطراً كبيراً على بلد ولد فيه حافظ شيرازي أبو الشعراء الفرس كما لا يخلو شعره من مسحة من الغموض هو الآخر، فهل لو كان على قيد الحياة لحكم عليه بالسجن، ويُضرب بالعصا على مرأى من الناس؟.. على أي حال هذه الأعجوبة القضائية التي صدرت عن المحكمة الإسلامية في طهران ليست الأولى من نوعها، فقبل شهور صدرت فتوى أو تعليمات أو أوامر، سمّها ما شئت، عن مرجع ديني إيراني كبير يدعو فيه الشعراء الإيرانيين إلى كتابة شعر عن العراق وسوريا واليمن، باعتبار هذه البلدان العربية قد أصبحت ثقافياً تحت الوصاية الإيرانية، أو تحت الظل الإيراني، وهو ما لا يمكن أن يحدث، لأن التاريخ لا يسير إلى الوراء إلاّ في حكم الأحلام الإمبراطورية المريضة. مثقفو العالم في الشرق والغرب من العالم الحي المتمدن الذي لا يعيش في جحور المرجعيات والمذهبيات المغلقة رفضوا الحكم الجائر والغريب على الشاعرين. هناك أكثر من 300 كاتب في العالم طالبوا السلطات العليا في إيران بإلغاء الحكم والإفراج عن فاطمة اختصاري، ومهدي موسوي، ولكن كما يقولون، لا حياة لمن تنادي.. لماذا؟ لأن التعصب عندما يقبض بأسنانه وأظافره على الفكر فإنه يحوّله إلى خشب، ويحوّل الثقافة إلى ما يشبه التبن، ومرة ثانية وثالثة ورابعة.. عندما تسيطر السياسة الطائفية، والتدين المسيس المحشور حشراً في حزب أو ثورة دينية أو جماعة مرجعية على الفكر والفنون والأدب وحتى العلم، فإن الإنسان البشري يصبح إنساناً بشرياً بالاسم فقط، لكن في الحقيقة هو إنسان الكهف والعصور الحجرية، لا بل، ربما لم يكن في عصر الحجر من هو على هذا القدر من الانغلاق والتعصب والتكفير. على أي حال، وما به الغموض؟. فما من شعر عالمي حضاري إلاّ وفيه مسحة من الغموض.. أما الخائف من الشعر الغامض، فهو كالخائف من جرّة الحبل.. فيظنه أفعى، والأفاعي لا تختبئ في القصائد، بل في الجحور. yosflooz@gmail.com