في اعتقادي أننا لا نحتاج إلى هيئات سيادية لتنظيم بعض القطاعات بقدر ما نحتاج لتشريعات منظمة لهذه القطاعات، فرغم أن التشريع والشكل الهيكلي يعدان وجهين لعملة واحدة لأي نشاط أو قطاع يراد تنظيمه، إلا أنني لاحظت بأن الشكل القانوني لوحده كإقامة الهيئة أو المؤسسة أو المصلحة قد لا يحقق تقدما يذكر في النشاط كما نتوقع وعندما نتأمل في الأسباب نجد أن النظام العام والدور الذي تقوم به هذه الهيئات ونظامها الداخلي لا يساعد على تحقيق التقدم المنشود لهذا النشاط إما لكون أهدافها عمومية أو لغياب السلطات والصلاحيات المطلوبة أو لأن معظم خيوط اللعبة لهذا النشاط في أيدي جهات أخرى وهكذا، والدليل على ذلك قيام هيئات كثيرة خلال السنوات العشر الماضية لكنها وبعيدا عن الأحكام المطلقه وغير الموضوعية لم تحقق تقدما حقيقيا في تطوير هذه النشاطات وأذكر على سبيل المثال هيئة مكافحة الفساد وهيئة تنظيم الكهرباء والإنتاج المزدوج وهيئة حقوق الإنسان وغيرها. لا أحاول التقليل من دور هذه الهيئات ولا من منجزاتها التي قد تكون معذورة فيها، وإنما رغبت فقط في إلقاء الضوء على هذه المسألة التي تتوارى خلف شكليات هيكلية باهظة التكلفة لم يتضمن نظامها أو نظام البلد معايير أو مؤشرات لقياس أدائها. انضمت أخيرا هيئة المؤسسات الصغيرة والمتوسطة لهذه الكوكبة من الهيئات، ومن دون شك فإن حاجتنا لتنظيم هذا القطاع قد يكون أكثر من غيره لأن هذه المؤسسات تمثل 93 % من إجمالي الشركات والمؤسسات المسجلة في المملكة لكن مساهمتها في الناتج المحلي لا تزيد على 33 % في الوقت الذي تصل بعض الدول إلى 60 % خلاف أنها أكبر شريك للدولة في جهود مكافحة البطالة. ولكي أوضح أهمية ودور التشريعات الذي قد يفوق في أهميته الشكل الهيكلي والقانوني المتمثل بإشهار وإقامة الهيئة ذاتها ويتكامل معه فإن التمويل يمثل اليوم 90 % من مشاكل هذه المؤسسات ولهذا أسباب تاريخيه تتعلق بجذر النظام المصرفي وأحجام المصارف عند الإقراض لعدم وجود ضمانات إلى آخر القصة التي تعرفونها، وبالتالي فإن 90 % من أوراق اللعبة لن تكون بيد هذه الهيئة الجديدة وإنما في أروقة مصادر التشريع العام وحتى الـ 10 % المتبقية ستكون في عهدة جهات أخرى كوزارة العمل والتجارة وغيرهما. الشاهد أن هذه النشاطات تحتاج إلى تشريعات عامة لإعادة المشكلة إلى أصلها وإيجاد حلول لها من خلال علاج الأسباب التي يعرفها الجميع حتى من دون وجود هيئات عامة أحيانا والدليل أن بعض هذه الهيئات غير موجودة في دول العالم كهيئة مكافحة الفساد مثلا.