×
محافظة المنطقة الشرقية

البازعي: مهرجان أفلام السعودية سيؤسس لمنبر راسخ

صورة الخبر

شهدت الساحة الفكرية الأميركية أخيراً جدلاً حول ما يهدد الأمن القومي الأميركي، شارك فيه عدد من الباحثين والخبراء الذين تعددت آراؤهم حول تصورهم لمصادر هذا التهديد. غير أن ما استوقف النظر في هذه المساهمات مساهمة ريتشارد هاس، والذي أثارت إجابته العلاقة بين السياسة الخارجية والداخلية، إذ اعتبر أن ما يهدد مكانة أميركا الخارجية ونفوذ سياستها الخارجية هو ما تواجهه من مشكلات داخلية: التعليم، الصحة، الدين، البيئة، النظام السياسي. والواقع أن لريتشارد هاس كتاباً يحمل عنواناً دالاً ومباشراً وهو «السياسة الخارجية تبدأ من الداخل»، وكان صريحاً في القول أن الأمن القومي الأميركي لا تهدده تهديدات خارجية، بل تحديات داخلية، وأن احتفاظ أميركا بمكانتها كقوة عظمى يعتمد على تعاملها مع هذه التحديات. هذا الجدل يجدد الحقيقة المستقرة في علم السياسة والعلاقات الدولية، والتي تقول أن السياسة الخارجية للدولة هي انعكاس ووجه آخر للسياسة الداخلية ولما تفعله الدولة في الداخل. والواقع أن هذا لم يعد مجرد مفهوم نظري ولكنه يعتمد على صعود وسقوط قوى عالمية. وتاريخياً، وكما لاحظ عالم السياسة الأميركي جوزيف ناي في آخر أعماله، أن سقوط روما لم يكن بفعل جحافل القبائل البربرية الغازية، ولكن بسبب الضعف الداخلي: اقتصاد بلا إنتاجية، مجتمع متصدع بحرب ضروس، انتشار الفساد وتحلل المؤسسات السياسية في شكل جعل روما غير قادرة على الدفاع عن نفسها. وفي العصر الحديث، نستطيع أن ندلل بتجربتي الاتحاد السوفياتي والصين. فمنذ نهاية الحرب العالمية الثانية والاتحاد السوفياتي يمثل المنافس الرئيسي للقوة الدولية الأخرى، وهي الولايات المتحدة، على النفوذ والمكانة في العالم، وكان يستمد مكانته من عملية البناء الضخمة التي بدأها ستالين من القوة العسكرية إلى القدرات العلمية والتكنولوجية التي أوصلته إلى امتلاك القوة النووية وغزو الفضاء. وقد استمرت هذه العملية حتى الثمانينات، حين بدأت عوامل الضعف الداخلي تدب في أوصال النظام، وبدا عجزه عن منافسة الولايات المتحدة في الثورة التكنولوجية الثالثة، فضلاً عن عوامل الفساد والترهل في قيادات الحزب الشيوعي. ووصل الأمر مع حكم برجنيف بين 1964 و1982 إلى الركود، فعندما أدرك زعيم سوفياتي شاب هو ميخائيل غورباتشوف ذلك عام 1985 وحاول إدخال إصلاحات جذرية على النظام، كانت إصلاحاته من القوة بحيث لم تستطع طبيعة النظام أن تستوعبها، ومن ثم كان التفكك والسقوط، وبالتالي فقدان الاتحاد السوفياتي نفوذه ومكانته الدولية. أما تجارب الصعود، فأبرزها يبدو في جمهورية الصين الشعبية، والتي بدأت بالثورة الثانية التي أطلقها الزعيم الصيني دنغ تشاوبنغ، وعلى رغم أنه جاء من صلب النظام والحزب الشيوعي الصيني، إلا أنه أدرك أن سياسات ماوتسي تونغ في الثورة الثقافية والقفزة الكبرى إلى الأمام، فضلاً عن انغلاق الصين عن العالم، تحتاج إلى تغييرات جذرية تتبنى سياسات السوق ولكن بخصائص صينية، وإطلاق طاقات الشعب الصيني، والانفتاح والتعامل مع العالم الخارجي. وكان من نتائج هذه الثورة الثانية معدلات نمو غير مسبوقة بلغت 10 في المئة وفي بعض المناطق 12 في المئة. وقد واصل خلفاء دنغ تشاوبنغ ســياســـاته حتى أصبحت الصين القوة الاقتصادية الثانية في العالم متعدية اليابان، بل يتوقع الباحثون والخبراء أن تنافس الولايات المتحدة على المكانة الدولية في العقود المقبلة. وعلى المستوى الأميركي، لم تكن العلاقة بين القوة والقدرات الداخلية للدولة وبين نفوذ سياستها الخارجية وتأثيرها، غائبةً عن الجدل الطويل الذي يدور على مدى العقد الماضي داخل الولايات المتحدة، حول مستقبل القوة والمكانة الخارجية، وهو الجدل الذي أنتج، كما أوضحنا، نظرية تؤكد مفهوم العلاقة بين السياسة الداخلية والخارجية. وعند هذه المدرسة أنه إذا كان على الولايات المتحدة أن تواجه تهديداتها، فعليها أن تعالج مشاكل الدين الداخلي، وعجز الموازنة، والتعليم، والصحة والبنية التحتية والبيئة.     * كاتب مصري.