×
محافظة المنطقة الشرقية

حماية المستهلك تدعو الى ايقاف بيع “السكوتر” الكهربائي وتنصح بعدم استخدامها

صورة الخبر

من بين كل الفيديوات التي انتشرت عن اللاجئين السوريين وما يواجهونه من مصاعب في أوروبا، استوقفني ذلك الآتي من مالمو. أكثر الفيديوات الآتية من السويد انتشاراً مؤخراً، التحريضية منها ولكن أيضاً «التوعوية» لا تخلو من أكزنوفوبيا، مثل الفيديو الموقع من «شعب السويد» ويتوجه إلى اللاجئين السوريين ويحذرهم من القدوم إليها «لأن الأماكن امتلأت والأموال نفدت ولأن البرد قارس، يصل إلى ٣٠ درجة تحت الصفر ويستمر ستة أشهر». لأن «لا أمل، ولا مساعدة، ولا وعود». لأنهم ببساطة غير مرغوب فيهم. كيف وصلت مالمو إلى الأعلام العربي؟ هذه البلدة الصغيرة الضائعة في السويد، ما علاقتها بنا وبإعلامنا وهمومنا وحياتنا؟ كيف أمكن لها أن تجد طريقاً إلينا؟ رحلة البحث في الفيديوات، رافقها نبش في الذكريات عاد بي إلى ساحة المدينة التي قضيت فيها بضع ساعات، في طريقي من استوكهولم حيث كنت في مهمة صحافية إلى كوبنهاغن التي كنت أزورها لقضاء عطلة الأسبوع. خمسة عشر عاماً مرت. كل ما بقي لدى من مالمو، اسمها العالق في ذاكرتي، مع مشاهد من ساحتها الأثرية بأرضيتها الحجرية وأحواض زهورها الضخمة وهدوئها. الهدوء هو أكثر ما أذكر. هدوء استقطعته فجأة رقصة على أنغام ـc’est la danse des canards قام بها شبان وشابات يلبسون زي البط الأصفر والبرتقالي، قيل لنا وقتها أنهم مكلفون من قبل بلدية المدينة. أذكر هذا المشهد جيداً لأني أذكر كم استفزني. لم تكن هذه رحلتي الأولى إلى أوروبا، ولم تكن هذه تجربتي الأولى مع المسافة التي تفصل بين عالمنا، بصراعاته وحروبه وتعقيداته التي لا تنتهي، وبين عالم كل أولوياته كماليات بالنسبة لي. لكنها كانت من دون شك، أول تجربة خاصة مع مشاعر العنصرية المزروعة في من دون أن أدري. ثلاثة أسابيع قضيتها في السويد أعطتني أول صديقة لي من سريلانكا. المنحة التي كنت قد نلتها كانت لتغطية المواضيع المتعلقة بالبيئة التي كنت أتابعها في حينه. كنا مجموعة صحافيين من دول نامية وقبل الذهاب كنت أعلم جيداً من أي دول يأتي صحافيو المجموعة. يحرجني حقاً استرجاع ما اعتراني من مشاعر لدى اللقاء الشخصي الأول معهم. ليست هذه محاولة لجلد النفس، ولا هنا المكان للدخول بالتفاصيل، لكن أياماً انقضت، وأنا أصارع فكرة أن المنظمين السويديين إما جاهلين أو عنصريين لاعتبارهم أن هموم لبنان وسريلانكا وماليزيا وباكستان متشابهة. كيف يجرؤون؟ خلال هذه الرحلة، في السويد، بدأت رحلتي التي لم تنته إلى اليوم مع الأصدقاء المختلفين عني، خلفيةً وديناً ولوناً وعرقاً وحتى قيماً أخلاقية. السيدة المسؤولة عن البرنامج، الصحافية الليبرالية الملتزمة التي جعلت من الدفاع عن العدالة الاجتماعية والإنماء المتوازن على مستوى العالم قضية حياتها، أدهشتني عندما أخبرتني عن ابنتها التي تجايلني، والتي أنجبتها من دون ارتباط وفق ثقافة الهيبي السويدية التي تقوم على تربية الأبناء ضمن «عائلات طبيعية». أدهشتني وزيرة البيئة، وهي تفسر لنا بحماسة وجدية، نحن مجموعة صحافيين مبتدئين من العالم الثالث، خطة تدوير النفايات. أدهشتني القوانين المتعلقة بحقوق الأطفال، وكبار السن، والعمل والمرأة. ترتيب مجمع اللاجئين الذين قمنا بزيارته، وكان أغلبهم من العراقيين الفارين من حكم صدام حسين، أيضاً ادهشني، أنا التي كنت في حينه متابعة لأوضاع اللاجئين الفلسطينيين في المخيمات اللبنانية مع كل ما فيها من خروقات لأبسط حقوق الإنسان. أدهشتني المساحات الخضراء. أدهشني الهدوء. واستفزني. وكانت قمة الاستفزاز لحظة مشاهدتي لرقصة البط في وسط مالمو. كيف لبشر أن يعيشوا كل هذا الرخاء ونحن نعيش ما نعيش؟ خمسة عشر عاماً مرت، وأنا لا أزال مستفزة وأطرح أسئلة أخرى... كيف أمكن للسويد، البلد الأول الذي يظهر على لائحة غوغل عند البحث تحت عنوان لجوء والدولة التي استقبلت العدد الأكبر من اللاجئين السوريين نسبة لعدد سكانها، أن تكون مصدراً لأخبار عنصرية؟ كيف يمكن لمحطة تلفزيونية فيها أن تبث تحقيقاً إخبارياً تحت عنوان «في مالمو مشكلة» يتحدث معمماً عن مشاركة حوالى ٦٠٠ شخص هم من «اليساريين، والعرب، والمسلمين والفوضويين» في تظاهرة مناهضة لإسرائيل، ليصل إلى خلاصة أن المدينة التي بات ربع عدد سكانها من المسلمين مهددة بأن تصبح مدينة ذات غالبية مسلمة مع ما يعنيه ذلك من ارتفاع نسب التشدد والعنف. أكثر الفيديوات الآتية من السويد انتشاراً مؤخراً، التحريضية منها ولكن أيضاً «التوعوية» التي لا تخلو من أكزنوفوبيا، مثل الفيديو الموقع من قبل «شعب السويد» ويتوجه إلى اللاجئين السوريين ويحذرهم من القدوم إليها «لأن الأماكن امتلأت والأموال نفذت ولأن البرد قارص، يصل إلى ٣٠ درجة تحت الصفر ويستمر ستة أشهر». لأن «لا أمل، ولا مساعدة، ولا وعود». لأنهم ببساطة غير مرغوب فيهم. فيديوات إخبارية عن صعود اليمين المتطرف، وعن ما يتعرض له الليبراليون من ضغوط، مثل ذلك الذي يصور مجموعة من الشبان يدورون في حي هادئ وهم يرفعون صوت الأذان عند ساعات الصباح الأولى، ويصرخون باللغة السويدية عبر مكبرات الصوت، ليبراليتكم، أنتم من تنتخبون المعتدلين سوف تقتلنا كلنا. قليل عدد الفيديوات التي تتحدث عن انتماء اللاجئين في بلدهم الجديد، وقليل انتشارها ونسب مشاهداتها مقارنة بتلك التي تتحدث عن الغيتوات التي لم يعد عمال الإطفاء والطوارئ يدخلونها من دون مؤازرة الشرطة. كل هذا الضجيج من السويد... ها نحن لا نزال نعيش ما نعيش، بأشكال أكثر دماراً وعبثية، ولكن لم يعد، حتى لمدينة صغيرة وبعيدة مثل مالمو رخاؤها. كم يبدو الاستفزاز القديم بريئاً أمام الخوف من الأتي.     * صحافية ومراسلة لـ «قناة العربية».