بدأت كلامَها بابتسامة ناعمة وسعادة ظاهرة، قالت: أكاد لا أصدق أن هذا هو ابني الذي جئت به إليك منذ ستة أشهر، كانت فرحتي توازي فرحتها إن لم تكن أكثر، كيف لا؟ وأنا قد أشرفت على علاجه ستة أشهر؟ وكنت أراقب كل تطوراته خطوة بخطوة! تذكرت تلك اللحظة، المرة الأولى التي زارتني فيها والدة هذا الطالب، كانت امرأة منهكة، محبطة، تمسك بقوة بيد ملاك جميل، ما إن تركت يده حتى طار، وبدا كأنه يسير على الجدران، وإن حاولت إرغامه على الجلوس، تجده يؤرجح قدميه ويحرك يديه في محاولة مستمرة لتحريرهما من قبضة أمه، وإن سألته ما اسمك؟ يضحك من دون إجابة، وإن طلبت منه أن يعيد شيئاً إلى مكانه ينظر إليك وكأنه لم يفهم لغتك، وإن حاولت أن تحثه على الكلام تُفاجأ بأنه ينطق بضع كلمات يسيرة لا أكثر، على الرغم من سنواته الأربع، أما عيناه الجميلتان فكانتا ساحرتين، لكن للأسف لا يمكنك التحديق بهما أكثر من جزء من الثانية فتواصله البصري مع من حوله يكاد يكون معدوماً. أذكر أنني جلستُ مع أمه أكثر من ساعة ونصف الساعة، سألتها عن حملها وتاريخها الطبي، وتاريخ والده المرضي، وعن تطورات حالة طفلها يوماً بيوم وشهراً بشهر، وعن كل الأمراض والحوادث التي مر بها، ثم سألتها عن نظامه الغذائي، وقمت بفحصه عن كثب. كنت حريصة على معرفة كيف يعمل دماغه. حتى أعرف ما علي أن أفعل، وتكثر التفاصيل هنا ولكني سأتجاوزها لأصل وإياكم إلى بيت القصيد، فقد كان تشخيص الطفل واضحاً، إنه اضطراب فرط النشاط وتشتت الانتباه (ADHD). من خلال دراستي لحالته وقفت على السبب الرئيسي للاضطراب، وكما يقال إذا عُرف السبب بطل العَجَب، فقد كان نظامه الغذائي السيئ هو المشكلة، لذلك بدأت بتغييره إلى نظام غذائي صحي خالٍ من المواد المضافة كالملونات والمنكهات والسكر والمواد الحافظة، ودعمته بمجموعة محددة من المكملات الغذائية والفيتامينات، إضافة لخطة تدريب فردية تقوم على تنشيط الدماغ، وتركيز الانتباه. وكان لرياضة الدماغ مكان في خطتي المحكمة لتخليص هذا الملاك من اضطراب فرط النشاط، وتشتت الانتباه، ولا أخفي عليكم، أن تعاون الأم وتفانيها في مساعدة طفلها كان له الدور الأكبر في العلاج، فلم تمض ستة أشهر حتى عاد ملاكي الجميل يسير بجوار أمه دون أن يكون هناك داعٍ لأن تقبض على يده بقوة، أو أن ترغمه على البقاء هادئاً. إنه الآن في الصف الأول الابتدائي، يخط كلماته بشكل واضح جميل، ويرسم ويلون ويغني ويروي لوالدته ما حدث معه خلال النهار، ذلك أنه في مدرسة المهارات الدولية. بوركت يا ملاكي. د. نجلاء لكود