×
محافظة المنطقة الشرقية

نحو استراتيجية تخفض تكلفة التجوال بين دول «التعاون»

صورة الخبر

من أصعب التحديات التي تواجه العمل الخيري في محيطنا الاجتماعي هو الفهم الحقيقي لفلسفته الدينية وأبعاده التشريعية والحضارية بعد انحصاره في بناء المساجد وإطعام الصائمين أو السقيا، مع أن الحاجة تدفع باتجاه حل مشكلات كبرى كالبطالة ومحدودية المساكن وتدني مستوى التعليم والتدريب المؤهل لسوق العمل وغير ذلك، كما أن الانخراط في العمل التطوعي اليوم مؤشر حقيقي لمدى تقدم أي دولة وازدهارها، فالتطور المتسارع وما يحمله من تعقيدات يملي علينا أوضاعا وظروفا مختلفة لا يمكن للفكر التقليدي مجاراتها حتى ولو تم تعزيزه تضامنيا أو تنظيميا تحت مظلة الجمعيات الخيرية التي اقتصر جزء كبير من مصروفاتها على الجانب الإغاثي، وقد أجمع مختصون إقتصاديون وشرعيون وأكاديميون على أهمية الإبداع في التعاطي مع ملف بحجم وأهمية العمل الخيري وإخراجه من بوتقة التقليدية إلى فضاء التجديد والابتكار. ننتظر تنسيقاً أكبر بين الجمعيات الخيرية وكبار الداعمين لتغطية مجالات الخير «غير المفعّلة» ودعم مشروعات الإسكان والصحة والتعليم وبرامج التدريب والتوظيف والزواج طرق بدائية في البداية يشدد د. غازي المطيري -أكاديمي ومفكر إسلامي- على أنه من الحصافة النظر إلى الأمور بعمق ودقة، ومن المهم أحيانا الخروج عن الرتابة والنمطية التي أكل عليها الدهر وشرب، خاصة حين تبدو للناظر ضعف الفاعلية والتأثير والانصراف عن الفاضل إلى المفضول وعن الأهم إلى المهم، مضيفا ولعل في العمل الخيري المعاصر أقرب مثال لتقريب وجهة النظر هذه، إذ طفق المحسنون سابقا على توزيع زكواتهم وصداقاتهم بطرق بدائية، وبنسب متواضعة جدا، لا ترفع معرة الفقر ولا تحدث تغييرا حقيقيا في حياة الفقير والمسكين كما أوصى الفقهاء، وربما أخذها من لا يستحقها، لافتا أنه على سبيل المثال عمد الكثير في الخليج عموما إلى بناء المساجد الفخمة ذات التكاليف الباهضة جدا، رغم عدم الحاجة إليها، وغفلوا عن الحاجات الأولية الملحة لجماهير الفقراء والمساكين، وأسس بعض المحسنين جمعيات خيرية، وأوكلوا تنظيمها والإشراف عليها إلى بعض الفضلاء، ولازالت حتى اليوم لم تخرج بعضها من تلك النمطية الآنفة الذكر. وتابع: اقترح على الجميعات المذكورة الأخذ بزمام المبادرة وإحداث نقلة نوعية في تنويع مجالات العمل الخيري تتجاوز الأخطاء السابقة أو التركيز على الإنفاق في مجالات محددة، من خلال عقد ورش عمل مشتركة تستقطب الخبراء والجهات الرسمية المعنية من أجل التعرف على الحاجات الحقيقية للفقراء كبناء المساكن وتوظيف الشباب والاستثمار في الإعلام الهادف ولا أقول الإسلامي حتى لا نحشر أنفسنا في زواية ضيقة، ووضع خارطة طريق مشتركة بين تلك الجمعيات بحيث تكون الجهود منظمة وغير مكررة تجمع الاهتمام بالداخل والخارج معا في معادلة متوازنة. برامج تطوعية عصرية وأكد عبدالله الجميلي -أكاديمي وإعلامي- أن الإسلام فرض الزكاة على الأغنياء، ولم يحصر المستحقين لها في فئة واحدة، بل في ثماني فئات، لتصافح حاجيات المجتمع، والتبرع والأعمال التطوعية فضيلة حث عليها ديننا الإسلامي لتكون أياديها البيضاء في خدمة المجتمع الإنساني على اختلاف شرائحه وأطيافه، وقد أدرك سلفنا الصالح تلك الحقيقية؛ حيث رصدت صفحات التاريخ أوقافاً عجيبة وغريبة، وصَـلت لمساتها الحانية لمحطات غريبة، فقد كان هناك وقف خيري يُـعْـرَفُ بـ (وَقْـف الزُّبَادي) جمع زِبْـدِيَّة وهي آنية من خَـزَف أو فُـخَـار، وكانت مهمة ذلك الوقف مساعدة الأولاد أو الـخَـدَم الذين تُـكْـسَـرُ زِبْـدِيَّاتِـهِـم وهم في طريقهم إلى البيوت؛ حيث يأتون إلى مكان الوقف بالقطع المكسورة، فيُعْـطَـَوْن أخرى جديدة، لئلا يعاقبهم أهلوهم على ما وقع منهم. وأردف كان لـ (الحيوان) نصيبه مِـن الوَقْـف الإسلامي (وهو أنموذج رائع ودائم من فِـعْــل الخير)؛ فقد احتضنت الشّـام أوقافاً للعناية بالكلاب الضالة والقِـطَـط العمياء والجريحة والمكسورة، وكذا الخيول المُـسِـنّـة، ولذا وبعيداً عما هو سائد في واقعنا من حَـصْـر الأعمال الخيرية والتطوعية في دائرة مغلقة تقليدية كبناء المساجد أو مساعدة الفقراء مالياً هذه دعوة للإفادة من تجارب تاريخنا الإسلامي، بصناعة تطوع وتبرعات مختلفة تناسب نبض المجتمع، وتسدّ باب احتياجاته، مضيفا وهنا أقترح على وزارة العمل والتنمية الاجتماعية بالتنسيق مع وزارة الشؤون الإسلامية أن تطلق منصة فيها برامج تطوعية حديثة وعَـصريّــة مصممة وجاهزة للتنفيذ يمكن اقتراحها على أهل الخير ومحبي العطاء. تجارب ناجحة وأشاد الجميلي بما أسماه التجارب الناجحة ومنها تجربة مؤسسة الأميرة العَـنود الخيرية، وهي مؤسسة خيرية تنتسب للأميرة العَـنود بنت عبدالعزيز بن مساعد -رحمها الله- ولعل ما يلفت النّـظَـر في جهودها إضافة إلى مناشطها الدعوية والإِغاثية المعتادة أو النمطية هي تلك البرامج المبتكرة التي تقرأ متطلبات المجتمع، ومنها: (برنامج وِقَـاية) الذي يُـسَـاهم في حماية المجتمع من المخدرات وغيرها من السلوكيات الخَـطِـرَة من خلال التوعية بشتى الوسائل، وتَـثْـقِـيـف الأُسَـر في اكتشاف حالات الإدمان لدى أفرادها، وكذا مساعدة المتعافين من الإدمان في الاندماج مع محيطهم القريب والبعيد؛ والأهم تقديم المؤسسة للدّبلوم الدراسي (رَامِـي) لتأهيل أخصائيين للوقاية من الإدمان، ومن برامجها (وَارِف) الذي يُـعْـنَـى بتأهيل وتنمية الشباب وتعزيز مشاركتهم في البرامج الخيرية والتطوعية، وتَـبَـنّـي واحتضان مبادراتهم ومشروعاتهم، مردفا وهناك برنامج (فَـرَح) ومهمته رعاية وتأهيل الأسَـر المحتاج نفسياً، وأيضاً (برنامج تَـمْكِـيـن) الذي يغرس الإيجابيات ويعززها في عروق المجتمع. ونوه الجميلي بما سجلته السنوات القليلة الماضية من توجّـه شبابنا وفتياتنا نحو التطوع، داعيا إلى إيجاد مظلة حكومية مهمتها رعايتهم وتدريبهم دون تعقيدات إدارية فيها، وكذلك التنسيق مع القطاع الخاص لدعمهم؛ فالعمل الإنساني أصبح اليوم له دور في تنمية المجتمعات. ساعات إضافية لعلاج المحتاجين من جهته أفاد عبدالغني القش -عضو في العديد من المجالس الخيرية- أن كثيرا من المفاهيم القديمة والتقليدية تغيرت وتطورت، والعمل الخيري ليس بمعزل ‏عن تلك التطورات والتغيرات فلم نعد في زمن يقتصر فيه العمل الخيري على بناء المساجد والصدقات الظاهرة وغير ذلك من المفاهيم كإفطار الصائم والزكاة المفروضة، مشيرا بأن أنماط العمل الخيري باتت متشعبة ومتعددة تظهر تارة في صورة المسؤولية الاجتماعية كأن يقوم الطبيب بمنح ساعات من وقته لمعالجة المحتاجين، وكذلك الحال بالنسبة للمهندسين ‏والمعلمين وكافة شرائح المجتمع. وأردف أن أنماط العمل الخيري قد ارتقت كثيرا في مفهومها ولعل الكثير يدرك أنها لم تعد محصورة كما كانت في زمن مضى، لافتا أن الإسهام في ‏الأعمال الخيرية في الجمعيات وغيرها أصبحت صورة حديثة في عصرنا هذا من صور العمل الخيري المبني على أسس وأنظمة حديثة تكفل إيصال الأعمال الخيرية لمستحقيها بأنظمة حاسوبية دقيقة، وليت الجميع يرتقي بمفهومه ويوسع دائرة الأعمال الخيرية فينفع كل من جهته ‏مجتمعه ووطنه بالكلمة الطيبة والعمل النافع ويسهم الجميع في الارتقاء في مفهوم العمل الخيري وحينها نبصر مجتمعا خيّرا بكل ما تعنيه الكلمة، لأن الجميع قد بات ‏يسهم في الوصول إلى خيرية المجتمع وبدرجة عالية، مضيفا كم أتمنى أن يدرك مجتمعنا أهمية الإسهام في أنماط العمل الخيري الجديدة والمعاصرة ويشارك فيها قدر استطاعته ليتغيّر المجتمع ويصل للخيرية المنشودة. الصحة والتعليم والمسكن وقال د. عبدالله المغلوث -عضو الجميعة السعودية للاقتصاد-: إن الظروف التي تمر بها كافة المجتمعات وما يحتاجه الإنسان من أساسيات مهمة: الصحة والتعليم والمسكن تستوجب عطاء متدفقا بهذا الاتجاه بدلا من الاقتصار على بناء المساجد والصدقات النقدية، مضيفا فظروف العصر والمتاعب التي تواجه الانسان أوجدت أمراضا مزمنة وأخرى مستعصية، كما أن الزيادة السكنية تدعو للمساهمة في بناء المساكن، وفي رأيي لابد من توجيه أعمال الخير في بناء المستشفيات والمراكز الطبية المتخصصة التي تعالج المرضى والمحتاجين الذين لا تمكنهم ظروفهم من دفع تكاليف العلاج، كما ينبغي بناء مدارس ومعاهد وكليات وهي نماذج من العطاء الذي زخرت به دول العالم المتقدم ونحن أحق به كمسلمين فديننا الحنيف يحثنا على العطاء والتعاضد. رعاية أسر وأبناء السجناء والإسهام في سداد ديون الموقوفين المتعثرين من أبواب الخير غير المفعلة صيانة المساجد قد تكون أهم من إنشاء مساجد جديدة ومن ثم إهمال صيانتها ونظافتها عبدالله الجميلي د. غازي المطيري عبدالغني القش دعم برامج توظيف الشباب أحد المجالات ذات الأثر الكبير عليهم وعلى المجتمع المجتمع بحاجة لفتح مجالات جديدة للعمل الخيري والخروج من بوتقته التقليدية إنشاء المراكز الصحية لعلاج المحتاجين ودعم القائمة بالأجهزة الطبية باب من أبواب الخير د. عبدالغني الأنصاري أكد أن مصارف الزكاة الثمانية غير مفعلة د. الأنصاري: العمل الخيري ليس مقصوراً على بناء المساجد وإفطار صائم! أكد د. عبدالغني الأنصاري -خبير اقتصادي-: أن تحويل العمل الخيري إلى بناء مساجد وإفطار صائم وكفالة أيتام هو فهم بسيط يجب أن نتجاوزه؛ لأنه أكبر بكثير من ذلك، فهو يشمل كل احتياجات الناس، فلو حصلت مجاعة -لا قدر الله- هل سنستمر في بناء المساجد فقط، ولو حدث نقص في الجوانب الطبية فهل العمل المناسب كفالة يتيم أو أرملة، أم المساهمة في بناء مستشفى وتوفير الأدوية، ولو تفشى الجهل العلمي أو التدريبي أو ازدادت البطالة أليس الأنسب تكريس الجهد باتجاههما كعمل خيري جليل، من خلال الأوقاف التي يعود ريعها على بناء المدارس والمعاهد المهنية بطرق إبداعية. وأضاف حتى الأصناف الثمانية التي وردت كمصارف للزكاة بعضها غير مفعلة اليوم فهل سمعتم بزكاة تخص المسافر، أو المؤلفة قلوبهم، مؤكدا أننا بحاجة لقراءة النص والاستماع لاجتهاد العلماء والمفسرين كابن كثير -رحمه الله- الذي أسهب في تفسيره للآية، لنعرف الإبداع الرباني والتعطيل الإنساني، فتحويل العمل الخيري إلى سفر في رمضان هو إسراف يضر بالاقتصاد والتنمية ويجب أن يتوقف، فسفر رمضان وغيرها من الأعمال التقليدية لا يزيد احتياجها على 30% أما البيوت المستورة والأوقاف فتحتاج 70%، وهل تساءلنا كم وقفا أنشأناه لدعم الصحة، لزواج الشباب؟ هذه جوانب من الأعمال الخيرية الراقية، فالشاب اليوم لا يستطيع الزواج ليس بسبب غلاء المهور كما يشاع بل لأن الفاتورة باهضة جدا لا تقل عن 150 - 200 ألف ريال، فهناك 30 جهة ستستنزف الشاب بمجرد التفكير في الزواج، ما بين قصر أفراح ودوامة الشقق والأثاث وانعكاس التضخم عليه وهذا لا يمكن للشاب أن يتحمله، فهل أنشأنا وقفا لإعانته؟ وآخر للعلاج وثالث للتعليم، وهل أنشأنا وقفا لنقل الثقافات والترجمة؟ د. سليمان الرومي مؤكداً أن بعض المتصدقين ورجال الأعمال لا وقت لديهم لاستقصاء احتياجات الناس د. الرومي: نفتقر للجهة المحددة للأولويات الضرورية ومجالات الإنفاق شدد د. سليمان الرومي -عضو هيئة التدريس بالجامعة الإسلامية- على أن العمل الخيري سمة من سمات المجتمع المسلم ودعامة من دعائم الترابط والتكاتف، وقد حث الإسلام على ذلك ورغب فيه وأثنى على من يتعدى نفعه وإحسانه للآخرين، قال صلى الله عليه وسلم: أحب الناس إلى الله أنفعهم... الحديث، مضيفا أن المساهمة تتأكد في العمل الخيري على الأغنياء الذين أوجب في أموالهم الزكاة وحدد مصارفها ورغب كذلك في الصدقات في وجوه الخير الكثيرة التي تحقق للمجتمع المسلم الطمأنينة والسعادة والترابط والتكافل، وتقضي على كثير من المشكلات التي تعاني منها المجتمعات بسبب الخلل في هذا الجانب. وأضاف مجتمعنا المسلم محب للخير ومسارع إليه وتتجلى هذه السمة في كثير من المظاهر التي نعيشها ونراها في حياتنا العامة، إلا أنهم اعتادوا على الإنفاق في مجالات محدودة كبناء المساجد والإطعام وهي بلا شك من القربات الفاضلة شريطة احتياج الناس لها، ولذا فنحن بحاجة لجهاز استشاري رسمي متاح للجميع يسهل التواصل ويعطي النصيحة لصاحب المال بالأولويات والضروريات ومجالات الإنفاق المناسبة، موضحا فالمتصدق ورجل الأعمال قد لا يكون لديه الوقت الكافي لاستقصاء احتياجات الناس ويعزز دور هذا الجهاز خطباء المساجد والمراكز العلمية والإعلامية. وتابع من أهم المجالات التي تستدعي الإنفاق بسخاء المراكز الطبية والأجهزة الخاصة بالغسيل الكلوي وأدوية السكري والأمراض المزمنة، مراكز رعاية المسنين في منازلهم، التدريب والتوظيف، المساعدة في تزويج الشباب، دعم الأسر المنتجة، الأبحاث المتخصصة في كافة المجالات، الإسكان، تأهيل المعوقين، رعاية أسر السجناء، وغير ذلك من الجهات التي تلبي الاحتياجات الضرورية لمجتمعنا، قال صلى الله عليه وسلم: مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى.