ماذا بقي من ثورة 23 يوليو/تموز بعد مجيء السادات إلى الحكم عام 1970 من ناحية المبادئ والإنجازات؟ 2560399233001 dd629ee7-a800-4997-8dab-a542de806703 6a6c7ca9-a4ab-4688-b62d-cdb135eeb06f video لقد تنكر السادات للمبدأين اللذين أقام عليهما جمال عبد الناصر ثورة 23 يوليو/تموز، وهما الفكر القومي العربي، والاشتراكية، فأعاد مصر إلى عزلتها الإقليمية، وأحيا النزعة الفرعونية عند المصريين، كما نقل مصر من النظام الاشتراكي إلى النظام الاستهلاكي الرأسمالي الأميركي، كما نقل مصر من القتال مع إسرائيل إلى عقد السلام معها واعتبار حرب 1973 آخر الحروب معها، كما نقل مصر من معسكر التحرير والعالم الثالث إلى عالم الولاء للمعسكر الأميركي. باختصار لقد محا السادات كل منظومة المبادئ والإنجازات التي أقام عبد الناصر مصر عليها، والسؤال الذي يحتاج إلى إجابة: لماذا نجح السادات في محو كل المبادئ والقيم والإنجازات التي أقام عبد الناصر مصر عليها بهذه السهولة؟ السبب في ذلك إلى أن المبادئ التي جاء بها عبد الناصر في مجال الفكر القومي العربي أو المجال الاشتراكي لم تكن متصالحة مع الدين بل متحاربة معه، فهو قد اعتمد القومية العربية التي طرحها الحصري، والتي كانت ذات محتوى علماني، وكانت تعتبر أن الأمة العربية تقوم على عنصري اللغة والتاريخ، وتعتبر أن الدين ليس داخلا في بناء الأمة، وكذلك تبنى عبد الناصر الطرح الاشتراكي الماركسي الذي يعتبر الدين معاديا للتقدم، وأن رجال الدين رجعيون، ويدعون الشعب والفقراء إلى الاستكانة للرأسماليين والأغنياء. وقد جاء هذا الموقف المعادي للدين من قبل جمال عبد الناصر بسبب نقله مفاهيم القومية والاشتراكية نقلا حرفيا من المفاهيم الغربية التي لا تتوافق مع معطيات حضارتنا، وذلك ما يعلل سرعة قضاء السادات على نقل مصر من وضع إلى آخر مناقض له، ويوضح كيفية قضاء السادات على الإنجازات التي بناها جمال عبد الناصر لمصر. فماذا بقي من ثورة 23 يوليو/تموز لدى حسني مبارك؟ لقد عمق حسني مبارك التحولات التي أقرها السادات من ناحية القطرية المصرية، ومن ناحية الانعزال المصري عن المحيط العربي، وحول السلام الذي أقامه السادات مع إسرائيل عام 1977 إلى استسلام كامل لإسرائيل، كما جعل مصر تابعة لأميركا، دائرة في فلك السياسة الأميركية، منفذة لمخططاتها في المنطقة. أما في مجال الاقتصاد، فقد عمق حسني مبارك النهج الرأسمالي الذي بدأه السادات في مصر من خلال إنهاء دور القطاع العام وبيعه للقطاع الخاص، ومن خلال إعطاء دور كبير للجيش وجنرالاته في إدارة المؤسسات التجارية، وإدارة الاقتصاد المصري. فماذا بقي من ثورة 23 يوليو/تموز لدى الرئيس محمد مرسي؟ لقد حاول محمد مرسي إحداث تغيير جذري في وضع مصر السياسي والاقتصادي في الفترة التي مارس فيها الحكم، وهي لا تعدو السنة، ومع أنه جاء من بيئة معادية لثورة 23 يوليو/تموز، وهي بيئة الإخوان المسلمين، إلا أنه انسجم معها في إعادة مصر إلى محيطها العربي والإسلامي من جهة، وفي الوقوف في وجه إسرائيل كما حدث معه عندما وقف إلى جانب غزة في حربها مع إسرائيل عام 2012 من جهة ثانية. 3482673102001 121e5f13-fb58-497e-9b04-619d8645daae video فماذا بقي من ثورة 23 يوليو/تموز لدى عبد الفتاح السيسي؟ لقد حاول السيسي أن يزيد شعبيته بأن يربط ويؤسس لبعض الشبه بين "ثورته" وثورة عبد الناصر، فكلاهما أقام ثورته في شهر يوليو/تموز وهو شهر الثورات، وكلاهما عسكري جاء من المؤسسة العسكرية التي تحمي مصر، وكلاهما حاول أن يبني اقتصادا مرتبطا بالقناة، فعبد الناصر أمم القناة من أجل زيادة الدخل المصري، وبنى السد العالي على النيل من أجل زيادة حصة مصر من مياه النيل ومن أجل توفير الكهرباء، وكذلك فعل عبد الفتاح السيسي فكان مشروعه الأول توسعة قناة السويس من أجل زيادة حركة السفن في القناة وإنعاش الدخل القومي لمصر. لكن ممارسات السيسي على أرض الواقع تخالف الأهداف والوقائع التي توصلت إليها ثورة 23 يوليو/تموز، ومن ذلك مياه النيل، فقد اعتبرت ثورة 23 يوليو/تموز أن تدفق مياه النيل وعدم النيل من حصتها أحد دعائم الأمن القومي لمصر، لكن بناء أثيوبيا سد النهضة، تحدى هذه الدعامة وكسرها، وهدد أمن مصر القومي، مما اضطر السيسي إلى الاستعانة بإسرائيل من أجل أن يعالج هذا التهديد، فأرسل وزير خارجيته سامح شكري من أجل استجداء إسرائيل وطلب وساطتها عند أثيوبيا لعدم التجاوز على مصر في هذا المجال، وهذا مثال بسيط على التشابه والتناقض بين "الثورتين"، تشابه في الشكل وليس في المضمون. الخلاصة التي يمكن أن ننتهي إليها هو أنه لم يبق شيء من مبادئ ثورة 23 يوليو/تموز ولا من إنجازاتها، فقد ألغى السادات التوجه القومي العربي والتوجه الاشتراكي اللذين أقامهما جمال عبد الناصر في كيان مصر، واللافت للنظر هو نجاح السادات السريع في هاتين الخطوتين، وقد عللنا ذلك بأنهما كانتا مبنيتين على العداء للدين، ثم جاء الرؤساء بعد السادات فعمقوا ما بناه السادات من تأكيد انعزالية مصر، ومن تأكيد التوجه الرأسمالي والاستسلام لإسرائيل، والارتباط الكامل بالسياسة الأميركية.