نشرت منظمة اليونيسكو في عام 1966 تقريراً مهماً عن التعلم بعنوان التعلم.. ذلك الكنز المكنون، قامت بإعداد هذا التقرير اللجنة الدولية المعنية بالتربية للقرن الحادي والعشرين بتكليف من منظمة اليونيسكو التي أتاحت لأعضاء اللجنة الاستقلال التام في عملهم، كما قدمت لهم الدعم اللازم. من هنا ظهر تقريرهم في ذلك الوقت، وثيقة تربوية مهمة تستحث نقاشاً لا غنى عنه على الصعيدين الوطني والدولي حول مستقبل التربية، وكانت اللجنة تضم مجموعة مميزة من العلماء والباحثين في شتى ميادين المعرفة من مختلف دول العالم، وقد قامت بعملها تحت رئاسة جاك ديلور، الوزير السابق للاقتصاد والمالية بفرنسا. وقد ذكر جاك ديلور في هذا التقرير أنه في مواجهة التحديات المتعددة التي ينطوي عليها المستقبل ترى البشرية في التربية رصيدا لا غنى عنه في محاولاتها لتحقيق مثل السلام والحرية والعدالة الاجتماعية، وقد حرصت اللجنة على أن تؤكد إيمانها بالدور الأساسي الذي تقوم به التربية في التنمية المستمرة للفرد والمجتمع، لا بوصفها علاجا خارقا أو صيغة سحرية تفتح الباب إلى عالم يمكن تحقيق جميع المثل فيه، وإنما باعتبارها سبيلاً أساسياً من بين سبل أخرى، لخدمة تنمية بشرية أكثر انسجاماً وعمقاً، تساعد على انحسار نطاق الفقر والتهميش والحروب. جاء تقرير اليونيسكو حول التربية في وقت كانت فيه سياسات التربية على مستوى العالم تتعرض لانتقادات شديدة، أو يدفع بها لأسباب عديدة اقتصادية ومالية إلى آخر مراتب الأولوية، وهكذا لم يمض على نشر هذا التقرير غير أربع سنوات حتى ظهرت النسخة الموسعة من كتاب كيف يتعلم الناس: المخ والعقل والتجربة والمدرسة، وقد اتبع الكتاب بما يضمه من تقارير نفس نهج اليونيسكو، من حيث حشد عدد من العلماء والباحثين المعنيين الذين ينتمون إلى مؤسسات وأكاديميات أمريكية لطرح أفكارهم وصياغة رؤى جديدة لمساعدة صانع القرار على إحداث التغيير والتطوير المطلوب على أسس علمية وتكنولوجية سليمة، تواكب مقتضيات العصر، لكن محور تركيز الكتاب جاء في المقام الأول على التعليم والتعلم في الولايات المتحدة الأمريكية، غير أن المبادئ العامة والأفكار الواردة فيه، لم تخرج كثيرا عن إطار وفلسفة ما ورد في تقرير اليونيسكو الذي تميز بالصبغة العالمية وشارك في إعداده علماء وباحثون من مختلف أنحاء العالم. وهكذا تحقق ما نادى به جاك ديلور، رئيس لجنة إعداد تقرير اليونيسكو، من أن تكون الأفكار التي ألهمت أعضاء لجنة إعداد تقرير التعلم.. ذلك الكنز المكنون حافزا لكل المهتمين بقضايا التربية في جميع أنحاء العالم، للتناقش والتحاور وطرح المشروعات والبرامج التي تدفع القائمين على مقاليد الأمور في دول العالم النامي والمتقدم إلى الانخراط في عالم العلم والتكنولوجيا، بما يقتضيه ذلك من تكيف ثقافي وإحداث تنمية بشرية مستدامة، وتعزيز التفاهم بين الشعوب.