لم يتوقف الأمر عند الهجمة التي تشنها وسائل الإعلام المختلفة في ألمانيا على الإسلام والمسلمين، ولا عند قيام الحكومة الألمانية بإلغاء العديد من مشاريعها المشتركة مع المجالس والجمعيات التي تمثل المسلمين في ألمانيا، مرة بتهمة خضوعها لسيطرة حزب العدالة والتنمية التركي، ومرة بتهمة الانتماء إلى «الإخوان المسلمين» أو السلفية، وغير ذلك من التبريرات الواهية التي تؤكد مرة أخرى العجز البنيوي للديموقراطية الألمانية عن القبول بالغريب والمختلف، بل إن سياسة الخوف كشرت عن أنيابها وفي شكل واضح في نتائج انتخابات ولاية فوربومن - ميكلنبورغ. لقد انتصر الخوف. لكن علينا أن نمضي أبعد من الصحف الألمانية في تحليل ذلك، والتي وإن تحدثت عن الأحزاب اليمينية المتطرفة كأحزاب احتجاجية وعن أنها تنتشر في بيئة يسودها الخوف، فإنها لا تحاول، شأن الخطاب الإعلامي عموماً، البحث في جذور هذا الخوف. فلا الإعلام ولا الطبقة السياسية نفسها يكلفان نفسيهما عناء البحث في ذلك. لقد خرج «حزب البديل من أجل ألمانيا» من معطف الحزب المسيحي الديموقراطي الحاكم. فقد عمل الحزب الحاكم منذ عقود على الدفاع عن شيء اسمه هوية ألمانية وثقافة رائدة، وجذور مسيحية للفكرة الأوروبية، وكلها شعارات رصدت لها أموال ووسائل إعلام ومؤسسات أكاديمية ولوبيات إلخ... وهي شعارات ترتد اليوم على أصحابها، فاللعب بنار الهوية لأهداف سياسية بحتة لا يمكنه أن ينتهي إلى ما تحمد عقباه. هذا ما تؤكده نتائج ولاية فوربومن - ميكلنبورغ التي تمثل الوطن السياسي والدائرة الانتخابية الاتحادية للمستشارة الألمانية أنغيلا مركل، والتي لم يتورع مرشح الحزب المسيحي الديموقراطي فيها على اللعب بدوره على وتر العداء للإسلام والمسلمين، بدعوته إلى تجريم لباس البرقع في حملته الانتخابية. أجل، سيستمر الائتلاف الحاكم، والذي يتكون من الحزب الاشتراكي الديموقراطي والحزب المسيحي الديموقراطي في حكم الولاية، لكن حزب مركل، حصد في هذه الانتخابات أسوأ نتيجة له على الإطلاق، كما أن الحزب الاشتراكي الديموقراطي بدوره سجل أسوأ نتيجة له في الانتخابات منذ 18 عاماً، على رغم احتفاظه بالمرتبة الأولى، متبوعاً بحزب البديل من أجل ألمانيا الذي لم يتأسس سوى عام 2013، والذي حذر في برنامجه «السوريالي» من قيام دولة الخلافة في الولاية! وهذا في حين تلقت أحزاب اليسار والخضر والحزب الليبرالي ضربات موجعة، خصوصاً حزب اليسار الذي تدخل ولايات شرق ألمانيا في مجال نفوذه التقليدي، والذي لم يحصل على أكثر من 13 في المئة من أصوات الناخبين. يشعر المتتبع للسياسة الألمانية بهول الصدمة التي ألمت بالطبقة السياسية الألمانية، لكن الأخطر من ذلك هو افتقار تلك الطبقة إلى رؤية واضحة لمواجهة الأمر الواقع. فأن يعمد زيغمار غابرييل رئيس الحزب الاشتراكي الديموقراطي وحليف مركل في الائتلاف الحكومي إلى انتقاد سياستها المتعلقة باللاجئين، لهو دليل على أن هذا الحزب العريق لم يعد له الشيء الكثير مما يقدمه، خصوصاً بعد الانعطافة غير الاجتماعية التي بدأت مع المستشار السابق غيرهارد شرودر، وهو ما يمكن أن نقوله أيضاً عن الشريك التقليدي لحزب مركل، وأعني الحزب المسيحي الاجتماعي الذي دعا مباشرة بعد ظهور نتائج الانتخابات إلى ضرورة تغيير السياسة الحكومية. وهو يعني - لا ريب في ذلك - سياسة اللجوء التي نهجتها المستشارة. لم يكن الاقتصاد أو السياسات الاجتماعية أو حتى العلاقات الخارجية لألمانيا هي العامل الحاسم في انتخابات ولاية فوبومن - ميكلينبورغ، التي حصل فيها حزب البديل من أجل ألمانيا على 21 في المئة من الأصوات. فنسبة البطالة تراجعت فيها في شكل غير معهود، كما أن الوضع المالي للولاية مريح. لكنها أزمة اللاجئين التي نفخ في نارها الإعلام الألماني كثيراً، والمخاوف المرتبطة بها، وكل ذلك في ولاية لا تتجاوز نسبة الأجانب فيها 3,7 في المئة، وأغلب هؤلاء من دول شرق أوروبا المجاورة، كما أنها لم تستقبل أكثر من 23 ألف لاجئ، معظهم قرر الفرار بجلده إلى ولاية أو بلد آخر... * كاتب مغربي