سجلت أسعار النفط أمس انخفاضات سعرية جديدة في أعقاب سلسلة من التوقعات القاتمة بشأن نمو الطلب تشير إلى استمرار التخمة العالمية من المخزونات الفائضة لفترة أطول كثيرا مما كان متوقعا، إضافة إلى تأثير البيانات الخاصة بزيادة أنشطة الحفر الأمريكية، ما جدد المخاوف في السوق من عودة حالة تخمة المعروض بشكل حاد. وتأثرت السوق بحالة جني الأرباح الناتجة عن مكاسب سابقة حققتها الأسعار ولم تنجح بيانات إيجابية جديدة عن الناتج الصناعي في الصين في إعطاء دفعة جديدة للأسعار نحو النمو على الرغم من تسجيل الناتج الصيني أعلى وتيرة في خمسة أشهر. وما زالت السوق تعلق آمالا واسعة على اجتماع المنتجين في الجزائر - المقرر عقده بعد أقل من أسبوعين - في تحقيق التوافق المنشود بين المنتجين وتفعيل وتطبيق تجميد الإنتاج. وكانت الأجواء الإيجابية المحيطة بالاجتماع في أوائل الشهر الجاري قد قادت إلى مكاسب سعرية تجاوزت 10 في المائة إلا أن الأسبوع الماضي شهد انحسارا نسبيا لهذه الأجواء الإيجابية فيما تتنامى الشكوك حول مدى نجاح الاجتماع في تجميد الإنتاج ما أدى إلى خسائر سعرية بلغت 4 في المائة. وتنامى القلق في الأسواق مع توقعات بارتفاع مستوى المخزونات النفطية وبعد تقرير لوكالة الطاقة الدولية أظهر أن تخمة المعروض قد تستمر حتى النصف الأول من العام المقبل 2017 كما تأثر السوق بتوقعات بصعود الدولار على حساب بقية العملات الرئيسية، الذي يرتبط بعلاقة عكسية مع أسعار النفط. وفي هذا الإطار، أكد لـ "الاقتصادية"، الدكتور آمبرجيو فاسولي مدير مركز دراسات الطاقة في مدينة لوزان بسويسرا، أن تقرير وكالة الطاقة جاء محبطا نسبيا للسوق بعد فترة زادت فيها التوقعات بقرب توازن السوق وتعافي الأسعار مشيرا إلى أن التقرير تحدث عن استمرار تخمة المعروض لقرابة عام مقبل بسبب ضعف الطلب وزيادة الإمدادات وارتفاع المخزونات. وأوضح فاسولي أن هذا التقرير فرض المزيد من التحديات والمهام الملقاة على عاتق اجتماع المنتجين في الجزائر حيث من الضروري ألا يكون مجرد اجتماع روتيني تشاوري بين المنتجين، بل من المهم أن يتخذ إجراءات فاعلة لدفع السوق إلى التوازن بعد هذه البيانات السلبية عن تخمة الإمدادات والمخزون. ونوه فاسولي إلى أن تجميد الإنتاج قد لا يكون إجراء مؤثرا، ومن الأفضل مناقشة خفض الإنتاج والضغط على كبار المنتجين لإقناعهم بالإقدام على هذه الخطوة لمصلحة السوق ولفائدة جميع المنتجين. وأوضح فاسولي أن تباطؤ نشاط المصافي وارتفاع المخزونات وضعف الطلب من العوامل الضاغطة بشدة على الأسعار مشيرا إلى أن السوق كسب 10 في المائة بمجرد بدء التحضيرات لاجتماع الجزائر، ولذا يجب ألا يجيء مخيبا للآمال خاصة أن تحضيرات جيدة جرت للإعداد له، سواء الاتفاق السعودي الروسي أو التنسيق بين منظمة "أوبك" ووكالة الطاقة الدولية أو الزيارات المتبادلة بين وزراء الطاقة في أهم الدول المنتجة. من جانبه، يقول لـ "الاقتصادية"، أندرياس جيني مدير شركة "ماكسويل كوانت" للخدمات النفطية، إن تراجع الأسعار ناتج بالأساس عن جني الأرباح بعد مكاسب سعرية جيدة تحققت في الأسبوع الأول من الشهر الجاري مشيرا إلى أن توقعات وكالة الطاقة بشأن ضعف الطلب تتناقض مع بيانات صينية قوية عن تحسن في نمو النشاط الصناعي، وتصريحات هندية تتوقع ارتفاع الطلب على النفط الخام بنحو 11 في المائة هذا العام وهي مؤشرات جيدة عن الطلب في أكبر دول في العالم في استهلاك الطاقة. وأشار جيني إلى أن المخاوف من تخمة المعروض تعود بالأساس إلى انتعاش إنتاج النفط الصخري الأمريكي وعودة تزايد الحفارات إلى جانب بلوغ روسيا ودول "أوبك" مستويات قياسية في الإنتاج منوها إلى أن استقرار السوق قد يتأخر ولكنه قادم بسبب الطفرة المتوقعة في الطلب، كما أن ضعف الأسعار سيضغط من جديد على الاستثمارات، خاصة النفط الصخري ما قد يجعل الانتعاشة الحالية مجرد حالة مؤقتة. وأضاف جيني أن توقعات إدارة معلومات الطاقة الأمريكية بتراجع إنتاج النفط الصخري خلال الشهر المقبل وهو ما يعني أن أداء النفط الصخري لن يكون مستقرا بل متباينا بشكل مستمر، معتبرا أن اجتماع الجزائر الشهر الجاري قد يكون بداية تحرك فعال من المنتجين لضبط السوق متوقعا أن يتبلور هذا التحرك بشكل أكبر في الاجتماع الوزاري لمنظمة "أوبك" في 30 تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل وربما تكون قضية خفض الإنتاج هي المهيمنة على الاجتماع. وأوضح لـ "الاقتصادية"، سباستيان جرلاخ رئيس مجلس الأعمال الأوروبي، أن توقعات وكالة الطاقة جاءت سلبية ومؤثرة بشكل كبير على السوق على الرغم من أن الفترة المقبلة يغلب عليها توقعات نمو الطلب بسبب موسم الشتاء في نصف الكرة الشمالي إلى جانب موسم الإجازات والإقبال على استهلاك الوقود إلا أنه من الواضح أن تخمة المعروض ما زالت العنصر الأقوى تأثيرا على السوق. وأشار جرلاخ إلى أن تقلبات الأسعار أصبحت سمة أساسية في سوق النفط ومن الصعب توقع استمرار السوق على وتيرة واحدة، وللتغلب على هذه السمة لجأ كثير من الدول إلى تنويع الموارد الاقتصادية وهو ما تحقق بنجاح خاصة في دول الخليج التي قللت الاعتماد على النفط في ميزانياتها وأعدت تلك الميزانيات وفق أسعار منخفضة للخام. ودعا جرلاخ المنتجين والمستهلكين إلى استغلال اجتماع الجزائر المقبل لانطلاق برامج التنسيق والعمل المشترك وتقديم كل المساهمات الكفيلة باستعادة التوازن في السوق وتقليل حدة التقلبات السعرية التي أرهقت كاهل الكثير من المنتجين في "أوبك" وخارجها. من ناحية أخرى وفيما يخص الأسعار، فقد هبطت أسعار النفط أمس في أعقاب سلسلة من التوقعات القاتمة بشأن نمو الطلب تشير إلى استمرار التخمة العالمية من المخزونات الفائضة لفترة أطول كثيرا مما كان متوقعا. وبحسب "رويترز"، فقد انخفض سعر خام القياس العالمي مزيج برنت 97 سنتا إلى 47.35 دولار للبرميل، بينما هبط خام غرب تكساس الوسيط الأمريكي 1.09 دولار إلى 45.20 دولار للبرميل. وقال يوجين فاينبرج رئيس استراتيجية السلع الأولية لدى "كومرتس بنك " إنه يبدو أن الموقف تدهور بشدة من منظور "أوبك" ووكالة الطاقة الدولية أيضا، فيما أشار تجار إلى أن أسعار النفط لم تتلق دعما يذكر من بيانات إيجابية عن نمو الناتج الصناعي الصيني في الشهر الماضي حيث ظل الإقبال على جني الأرباح هو الاتجاه السائد في السوق. ونما الناتج الصناعي الصيني بأسرع وتيرة له في خمسة أشهر في آب (أغسطس) مع تعافي الطلب على منتجات من بينها الفحم والسيارات بفضل ارتفاع الإنفاق الحكومي وانتعاش الائتمانات لأجل عام وقطاع العقارات. وتوقع استطلاع ارتفاع مخزونات النفط الخام في الولايات المتحدة الأسبوع الماضي بعدما شهدت أكبر هبوط لها منذ عام 1999 في الأسبوع الذي سبقه. وتلقى الأسواق دعما من أنباء إيجابية عن نمو الطلب في الهند، حيث ذكر درامندرا برادان وزير النفط الهندي أن نمو الطلب على الخام في بلاده سيتجاوز 11 في المائة هذا العام مع تسريع ثالث أكبر مستهلك للنفط والغاز عالميا لوتيرة التنمية الاقتصادية. وأوضح برادان أن التوقع الأولي لمسار النفط العام الماضي كان بين 7 و8 في المائة لكننا انتهينا عند 11 في المائة هذا العام ونحن أكثر تفاؤلا، مضيفا أن النمو سيكون مدفوعا بتحسن الأمطار الموسمية وتسارع النشاط الاقتصادي. وكان الوزير الهندي يتحدث في لندن قبيل عرض توضيحي لجولة هندية لترسية حقول صغيرة مكتشفة يقدر أنها تحوي 625 مليون برميل من النفط والغاز، وقال برادان إن الحكومة الهندية تخطط لإطلاق جولة تراخيص للتنقيب عن النفط في السنة المالية المقبلة مع سعي البلاد إلى تقليل اعتمادها على الواردات بنسبة 10 في المائة بحلول 2022.