أفنان السعدي مهندسة أردنية مقيمة منذ ١٢ عاماً في مدينة ينا الألمانية، كانت من أول المتعاونين مع اللاجئين السوريين الذين بدأوا يتوافدون بكثرة إلى مدينتها. اعتبرت السعدي قضيتهم قضيتها، وتعاملت معهم وكأنها سورية أيضاً اضطرتها الظروف إلى مغادرة بلدها، وأقدمت على عمل تطوعي للترجمة، فتمكنها من اللغة الألمانية ساعدها على القيام بهذه المهمة، التي تعتبر من أكثر حاجات اللاجئين أهمية مع قلة وجود المترجمين في ألمانيا. وفي ضوء معاناة كثر من المترجمين العرب الذين يتعامل بعضهم بتعالٍ وأحياناً بكراهية، عززت السعدي صــورة مختلفة عنها، لدى اللاجئين. وعند سؤالها لماذا كلفت نفسها عناء هذه المهمة من دون أجر، قالت: «وجدت نفسي أكثر ارتياحاً إذا انخرطت بالعمل مع اللاجئين ومساعدتهم، بدل التذمّر من وجودهم كما يفعل كثر». بادرت السعدي إلى التطوع في «يوم التطوع» في ينا، الذي ينظّم سنوياً، ويتضمّن نشاطات عدة، منها زيارة دور العجزة والغناء لهم أو اللعب والرقص معهم، أو تنظيف الحدائق العامة من ورق الأشجار الذي بدأ يتساقط. وهذا العام، شملت المناسبة تصليح الدراجات الهوائية للاجئين. كذلك فتحت إحدى الجمعيات التعاونية أبوابها لتوزيع الطعام بسعر مخفّض. وعموماً، يبادر كثر هذا اليوم أيضاً إلى توزيع ثياب لم يعودوا يرتدونها على محتاجين لها. ويتطلّب كل ذلك بذل جهد كبير. وقد أظهرت السعدي ولاجئون سوريون في تلك المدينة تجاوباً واسعاً مع هذه الفاعليات. فمثلاً، انخرطت السعدي مع أولادها الأربعة للقيام بعدد من النشاطات. وهدفت من ذلك إلى أن تعلّمهم معنى العطاء وليس فقط الأخذ، وتقول: «تزرع هذه الأفعال الصغيرة في قلوبهم محبة ألمانيا والتعامل معها على أنها وطنهم». من جهة أخرى، كانت مبادرة متنوعة لسوريين. فقد زارت مجموعة شبان منهم داراً للعجزة وأمضت معهم يوماً كاملاً. وقد أقدم أحمد على هذه الخطوة، «لأعطي المسنين الألمان في دور العجزة الذين ليس لديهم أي احتكاك مع السوريين، انطباعاً بأننا قريبون ومحبون وقد نجحت». وعن ردة فعل نزلاء الدار، قال أنهم «تفاجأوا جداً بوجودنا في البداية. لكن لم يمضِ وقت صغير حتى بدأوا يضحكون معنا، واحدة منهم اقتربت مني قبل مغادرتنا وشكرتنا على حضورنا. وهمست: لقد أثرت الفرح في قلبي». ويتحدّث عمار عن تجربته، كاشفاً أن خياره زيارة عجزة «كان نوعاً من الفضول. أردت أن أعرف كيف يعيشون في ألمانيا، هل هم مهملون كما يُشاع؟ أم أنهم يتلقون الرعاية المناسبة. في الحقيقة لم أشعر بأنهم مهملون لكنهم حتماً وحيدون للغاية. لذلك فرحت لما قمت به، وقررت أن أكرر هذا دائماً». كذلك، وزّع آخرون مأكولات سورية: فلافل وفتوش ودجاج. وتعتبر إحدى المتطوعات أن «الطعام هو الوحيد الذي لا يحتاج إلى لغة، سواء أكلت أو أطعمت، لذا اخترت أن أطهو وأقدّم، وأعطي صورة عن مطبخنا السوري الشهي. وكنت متأكدة أنهم سيحبونه، المطبخ ملمح ثقافي عن البلد لا يمكن تجاهله». وشارك كثر في ورشة تصليح الدراجات الهوائية، وتبرّع بعضهم بدراجته لمصلحة اللاجئين. وأفاد كريستيان الذي كان يصلّح دراجة وبجانبه شاب سوري، بأن «امتلاك دراجة أمر ضروري في ألمانيا، وأن تكون الدراجة آمنة، فهذا أمر لا يختلف عليه أحد. أنا شخصياً مغرم بالدراجات وقد سمعت من شباب سوريين أتعامل معهم إما أنهم لا يمتلكون دراجات أو أن دراجاتهم تحتاج إلى تصليح، لذا قدمت للمساعدة». وشعر السوريون الذين التقيناهم بأنهم مقبولون من جانب المجتمع الألماني. وقد رفع العمل التطوعي من شعورهم بالثقة، خصوصاً أنهم أظهروا قدرتهم على تقديم شيء ولو كان بسيطاً. وتؤكّد السعدي أنها أرادت من خلال هذه المشاركة تحسين صورة الأطفال العرب التي بدأت تتظهر سلباً لدى بعضهم، «لذا أتيت مع أطفالي للمساهمة. نحتاج إلى الكثير من العمل الصادق لتحسين صورتنا وصورة الأجيال المقبلة، فالمعتقدات السلبية حولنا تعيق تقدّم أطفالنا واندماجهم».