عبد اللطيف الزبيدي في اللغة مزالق، تجرُّ غير العارف إلى المآزق. معدّو برامج الفضائيات يحتاجون إلى التحقيق والتدقيق، يريد بعضهم التظارف، أحياناً، بغير علم، فيصيب نفسه بسهام شتى تكشف سوء اختياره في مجالات عدّة، بينما المفردة واحدة، فينطبق عليه في اللغة ما قيل في القريض: الشعر صعبٌ وطويل سلّمُهْ.. إذا ارتقى فيه الذي لا يعلمُهْ.. زلّت به إلى الحضيض قدمُهْ.. يريد أن يعربه فيُعجمُهْ. صديق أديب لاحظ أن مقدّم برنامج مسابقات سأل المتسابق: ما هو الجعسوس؟، مستنكراً إقحام غريب الألفاظ في المنوّعات. قلت هذه مجموعة مرّوعات ملوّعات. لقد وقع الإعلاميّ في سلسلة من الأخطاء من حيث لا يدري، وأوقع القناة في مأزق يدّل على افتقارها إلى التدقيق في سلامة الإنتاج. في استخدام هذه الكلمة، الجعسوس، جملة من الإساءات إلى الذوق العام في وسيلة إعلام، وإلى فئات من نظائرنا في الخلق، وإلى التربية القويمة وعلم النفس، وإلى ضرورة التطوّر في النظر إلى اللغة. تنقسم مفردات اللغة إلى ثلاثة أقسام: المستعمل والمهمل وغير المستعمل. غير المستعمل هو ما حروفه عربية، ولم يستعمله أحد من العرب، وقد تكون ألفاظه بالملايين. والمهمل هو ما تكلّم به القدامى في شعرهم ونثرهم، وانصرف عنه الناس منذ قرون، وقد عُرف بالحوشيّ والغريب. فيه مؤلفات مثل: الغريب المصنّف لعُبيدالله بن سلاّم، ومنه الكثير في فقه اللغة للثعالبي. كان هذا اللون منفوراً لدى أجيال من الأدباء، من الجاحظ إلى ما بعد طه حسين. من أطرف ما قيل فيه، أبيات لصفي الدين الحلّي (القرن الثامن الهجريّ): إنّما الحيزبون والدّردبيسُ.. والطخا والنقاخ والعطلبيسُ.. والجراجيح والعفنقس والعفلق والطرفسان والعسطوسُ.. لغة تنفر المسامع منها.. حين تُروى وتشمئزّ النفوسُ.. وقبيحٌ أن يُسلك النافر الوحشيّ منها ويُترك المأنوسُ. سُقم اختيار الجُعسوس يشكّل عنقود مساوئ. هو من ثلاثيّ يعني الفضلات. هذا هيّن في سوء الذوق. الأسوأ الأنكى الأشنع هو أن الجُعسوس صفة لقصير القامة غير الوسيم، والمعاجم تستخدم ألفاظاً يترفّع القلم عن ذكرها. للأسف لانزال نرى المسرح والمسلسلات لا تدرك هول السقوط في هذه الرذائل، في نظر علمي النفس والاجتماع. ويتوهم المنتجون أن ذلك إبداع كوميديّ. فكيف يقع الإنتاج التلفزيونيّ في أخطاء مخزية كهذه؟ أمّا كيف وقعت لغتنا في هذه السقطة، باشتقاق من حُرم الجمال والقامة الفارعة من ذلك الثلاثيّ، فهذا من لغو اللغة. لزوم ما يلزم: النتيجة اللغوية: يُقال أنجبت المرأة، وأنتجت الأتان. هذا أيضاً إنتاج. abuzzabaed@gmail.com