المؤسسات التعليمية العامة". وبحسب تصريح صحفي لوزير التربية التونسي، ناجي جلول، فإن "جملة من المشاكل والمصاعب المتراكمة قادت إلى اهتراء المنظومة التربوية وتراجع مستوى المدرسة التونسية". ويؤكد كمال الحجام، وهو مدير عام المرحلة الابتدائية في وزارة التربية، أن "تونس تحتل مراكز غير مطمئنة في التصنيفات الدولية لقطاع التعليم، ما يجعل الدولة تقارن بين ما كانت عليه مؤسساتها سابقا وما أصبحت عليه اليوم، وهو ما يدعوها فعلا إلى إصلاح جذري لنظام التعليم". ويوجد في تونس 65 ألف مدرس في المرحلة الابتدائية، و911 ألف مدرس في المرحلتين الإعداية والثانوية، بحسب أحدث بيانات وزارة التربية. ويتابع الحجام، أن "الانتدابات الخاطئة في صفوف المدرسين أثرت سلبا على النتائج الدراسيّة، لذلك تحاول الوزارة التركيز على تحسين كفاءة المدرسين، وإدخال تغييرات على المضامين التعليمية، فضلا عن إيجاد فرص تعليم متكافئة بين التلاميذ بغض النظر عن طبقتهم الاجتماعية". واقع المدارس العامة يعكسه أيضا ما يسميه البعض في تونس "بهجرة التلاميذ" من هذه المدارس إلى مدارس خاصة يتحمل فيها أولياء الأمور تكاليف دراسة أبنائهم، وهو خيار برز خاصة في السنوات العشر الأخيرة، على أمل تلقي الأبناء تعليما أفضل، وتعلم لغات أخرى منذ الصغر، باعتبارها من أهم شروط الحصول على وظيفة. ووفقا لأحدث أرقام وزارة التربية التونسية، يدرس قرابة مليون و93 ألف تلميذ في 6070 مدرسة عامة، هي 4562 مدرسة ابتدائية، و1508 مدارس بين إعدادي وثانوي، بينما توجد حوالي 320 مدرسة خاصة. وعن الفرق بين المدارس العامة والخاصة، يرى الحجام أن "المدارس الخاصة تقدم إضافة للعائلة التونسية، تتمثل في توفير فضاء مدرسي يبقى فيه الطفل خلال الفترتين الصباحية والمسائية، أي طوال فترة دوام (عمل) والديه، وهو ما لا توفره المدرسة الحكومية حاليا.. وهناك تفكير في إيجاد أنشطة ثقافية في المدارس العامة خلال فترة المساء". ويتابع المسؤول التربوي التونسي أن "المدرسة العامة اليوم، وبجانب الاهتمام بمضامينها المعرفية، تفكر في إيجاد خدمات اجتماعيّة وطبية من شأنها تحسين أوضاع التلاميذ، بما يساهم في تطوير نتائجهم الدراسية". هناء بنعبد الله، وهي مديرة مدرسة "بوعبدلي" الخاصة في العاصمة تونس، تدعو أولياء الأمور إلى "التحرك سريعا لإنقاذ أبنائهم من التعليم المتردي في تونس، ورفض النظام التعليمي الراهن". وتعتبر أن "الإصلاح يبدأ بمراجعة المناهج التعليمية، التي تتضمن موادا لا فائدة من إدراجها.. فبعض التلاميذ يرتقون من سنة دراسة إلى أخرى دون تحصيل نصف الدرجات الدراسية المطلوبة". وعن الفرق بين المدارس العامة ومدرسة "بوعبدلي" الخاصة، تقول مديرة المدرسة: "نضع المدرسين في عملية تأهيل مستمرة طيلة السنة ليتعلموا كافة أساليب جذب انتباه التلميذ أكثر للدرس داخل الفصل وتحفيزه أكثر للتعلم". وترى أن "التوجه إلى التعليم الخاص يعود بالأساس إلى عدم مصداقية التعليم العام.. لكن عددا مهما من الأباء لا يعنيهم سوى وجود مكان يضعون فيه أبنائهم طيلة وجود الوالدين في الدوام، وهو ما يتوافر في المدارس الخاصة". لكن في المقابل، يقول نورالدين الجويني، وهو مدير مدرسة "نهج الهند" العامة بالعاصمة: "لدينا نماذج كثيرة في مدرستنا لرجال أعمال يمكنهم دفع أموال لتعليم أبنائهم في مدارس خاصّة، ولكنهم أعادوهم إلى هنا، إيمانا منهم بأن التعليم العام هو الأفضل، ويعكس النتائج الحقيقيّة لمستوى التلميذ التعليمي". ويزيد الجويني بقوله، إن "التعليم العام يبقى حاضنة للجميع، ويتمتع بدرجة رقابة عالية، حتى أن أعلى نسب النجاح في السنوات النهائية تكون لتلاميذ في التعليم العام.. ولابد من مراجعة النظرة السلبية إزاء منظومة التعلم العام". لطيفة مرابط، وهي مدرسة في روضة أطفال ولها أبناء في مدارس عامة تعتبر أن "الهدف الأساسي من التوجه إلى التعليم الخاص هو الضغوط، التي تدفع بعض الأسر إلى البحث عن أماكن لوضع أبنائهم فيها طيلة ساعات دوام الوالدين، خوفا من توجه أبنائهم بعد انتهاء الدراسة اليومية في المدارس العامة إلى ممارسات قد تجعلهم منحرفين فيما بعد". وتضيف لطيفة إن العديد من التلاميذ يعودون من التعليم الخاص إلى العام وهم يشكون تأخرا في مستوى مواد اللغة والعلوم أيضا. ويعتبر خبراء ان التعليم الخاص يتحول في غالب الاحيان الى تجارة مربحة ورغبة في جمع الاموال ولو على حساب النتائج المدرسية للتلاميذ.