×
محافظة المنطقة الشرقية

رفض المغرب لمشاركة بوليساريو يؤجل انطلاق القمة العربية الأفريقية

صورة الخبر

القاهرة:إبراهيم حمزة تبدو علاقة الشاعر بابنته مثار دهشة في أدبنا القديم، حيث كان الوأد شكلاً من أشكال التعامل معها، وجاء القرآن الكريم ليؤكد مسألة الوأد في قوله تعالى: وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَت، التكوير، ومضى زمن لنجد البنات في عيون آبائهن من الشعراء، ولذا فرحلة المحبة مكتنفة بالخوف والرعب، ومسيرة التقدير، موشحة بالاحتقار، هي على كلٍ علاقة مشتبكة. أبو دلامة جبل ، كان أهل مكة يقومون بوأد البنات فيه، ذكره صاحب المستطرف وتذكر الكتب كنهاية الأرب أن صعصعة بن ناجية جدّ الفرزدق الشاعر المعروف، كان يشتري البنات ويفديهن من القتل كل بنت بناقتين عشراوين وجمل ، وقال الفرزدق مفتخراً: أحيا جدي اثنتين وتسعين موؤودة وقالها شعراً: وجديّ الذي منع الوائدات وأحيا الوئيد فلم يوأد وقد قال الراجز: سميتها إذ ولدت تموت والقبر صهرٌ ضامن زميّتُ أما أول من قام بها، فقد اختلفوا في اسم القبيلة واتفقوا في أحداث القصة، فقالوا وزعموا أن بنتًا لرئيس بني ربيعة وسيدها وقعت أسيرة في أيدي قبيلة أغارت عليها: فلما عقد الصلح، لم تشأ البنت العودة إلى بيتها، فاختارت بيت آسرها، فغضب رئيس ربيعة لذلك، واستنّ هذه السنّة، وقلدته بقية العرب حتى فشت بين القبائل كما يستقصي العلامة جواد علي في الجزء التاسع من موسوعته المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام ، ولذا أنشد الباخرزي لنفسه: القبر أخفى سترة للبنات ودفنها يروى من المكرمات أما ترى اللَّه عز اسمه قد وضع النعش بجنب البنات ونحوه قول غيره: (لكل أبي بنت على كل حالة ثلاثة أصهار، إذا ذكر الصهر؛ فزوج يراعيها، وخدر يصونها وقبر يواريها وخيرهم القبر). وقد ذكر ابن قتيبة في الشعر والشعراء أن امرأ القيس كان مئناثاً لا ذكر له، وغيوراً شديد الغيرة، فإذا ولدت له بنتٌ وأدها، فلما رأى ذلك نساؤه، غيبن أولادهن في أحياء العرب، وبلغه ذلك فتتبعهن حتى قتلهن. ويروي صاحب الشعر والشعراءأن امرأ القيس في هروبه نزل على قوم، منهم عامر فقالت له ابنته: إن الرجل مأكولٌ فكله، فأتى عامرٌ أجأ (وهو جبل لقبيلة طيء) وصاح: ألا أن عامر بن جوين غدر، فلم يجبه الصدى، ثم صاح: ألا إن عامر بن جوينٍ وفى، فأجابه الصدى، فقال: ما أحسن هذه وما أقبح تلك، ثم خرج امرؤ القيس من عنده، فشيعه، فرأت ابنته ساقيه وهو مدبرٌ، وكانتا حمشتين، فقالت: ما رأيت كاليوم ساقي واف، فقال لابنته: يا بنية، هما ساقا غادرٍ شرٌّ، وقال: لَقَدْ آلَيتُ أَغْدِرُ في جَدَاعٍ ولوْ مُنَّيِتُ أُمّاتِ الرِّبَاعِ لأَنَّ الغَدْرَ في الأَقْوَامِ عارٌ وإِنَّ الحُرَّ يَجْزَأُ بالكُرَاعِ. هنا صورة من صور الحوار مع الابنة، وإن كان ميلها للشر يفوق الرجال، وهو شر لم تعرفه العرب، الشر القائم على الغدر، ولم يعنفها أبوها، لكنه علّمها. في مديح البنات: وإن تكن خلقت أنثى لقد خلقتْ كريمةً غير أنثى العقلِ والحسبِ بهذه الأبيات الشهيرة رثى المتنبي أخت سيف الدولة، ولا أظن مدحاً حمل قدحاً كقول المتنبي هذا، فمصدر فخرها أنها أخت خير أخ، ولكن الشعراء ارتبطوا ببناتهم ارتباطاً مدهشاً، خاصة إذا نظر لهذا الارتباط في سياق نظرة المجتمع للأنثى، وبين يدينا موقف لبيد بن ربيعة يذكره صاحب الاستيعاب، وفي الشعر والشعراء والأغاني وغيره. وكان لبيد قد نذر أن لا تهب الصبا إلا نحر وأطعم، وأن الصبا هبت يوماً، وهو بالكوفة مقتر مملق، فعلم بذلك الوليد بن عقبة بن أبي معيط - وكان أميراً عليها لعثمان؛ فبعث إليه بمئة ناقة وبعث الناس إليه فقضى نذره، وكتب إليه الوليد: أرى الجزار يشحذ شفرتيه... إذا هبت رياح أبي عقيل فقال لبيد لابنته: أجيبيه، فقد رأيتني وما أعيا بجواب شاعر! فأنشأت تقول: إذا هبت رياح أبي عقيلٍ... دعونا عند هبتها الوليد أشم الأنف أصيد عبشمياً... أعان على مروءته لبيدا بأمثال الهضاب، كأن ركباً... عليها من بني حامٍ قعودا أبا وهبٍ، جزاك الله خيراً... نحرناها وأطعمنا الثريدا فعد، إن الكريم له معادٌ... وظني بابن أروى أن يعودا فقال لها لبيد: قد أحسنت لولا أنك استزدته! فقالت: والله ما استزدته إلا لأنه ملك، ولو كان سوقة لم أفعل. والمعروف أنه لما حضرته الوفاة قال لبناته: تمنى ابنتاي أن يعيش أبوهما وهل أنا إلا من ربيعة أو مضر. وهكذا يضع شاعر من أصحاب المعلقات ثقته في ابنته، لترد على الوليد بن عقبة، ويناقشها ويقيمها، فترد بحجة ذكية واضحة، والله ما استزدته إلا لأنه ملك، ولو كان سوقة لم أفعل. وذكر السيوطي في المزهر أن الأصمعي قال: كنت أغشى بيوت الأعراب أكتب عنهم كثيرا حتى ألفوني ولقى رجلا، فسأله عمن يكون فقال: أنا حذيفة بن سور العجلاني ولد لأبي سبع بنات متواليات وحملت أمي: فقلق قلقاً كاد قلقه يفلق حبة قلبه من خوف بنت ثامنة ، فقال له شيخ من الحي: ألا استغثت بمن خلقهن أن يكفيك مؤنتهن! فدعا ربه في بيته الحرام قائلا: يا رب حسبي من بنات حسبي شيبن رأسي وأكلن كسبي إن زدتني أخرى خلعت قلبي وزدتني هما يدق صلبي فإذا بهاتف يقول لا تقنطن غشيت يا بن سور بذكر من خيرة الذكور ليس بمثمود ولا منزور محمد من فعله مشكور موجه في قومه مذكور فرجع أبي واثقا بالله جل جلاله فوضعتني أمي فنشأت أحسن ما نشأ غلام عفة وكرماً... وقد وضع أبو العتاهية ثقته في ابنته، وهو يطلب منها أن تندبه بعد موته، موصياً إياها بترديد قوله: لَعِبَ البِلَى بمَعَالِمي ورُسُومي وقُبِرْتُ حَيًّا تحت رَدْمِ هُمومي لَزِمَ البِلَى جِسْمِي فَاَوْهَنَ قُوَّتي إنّ البِلَى لَمُوَكَّلٌ بِلُزومي وربما كان ذكر الشاعر لابنته في شعره سبباً في خلود قصيدته، وهو ما رأيناه مع حِطّان بن المُعَلَّى هو شاعر إسلامي، عاش في صدر الإسلام، ولا ذكر له في المراجع الأدبية، لكن سيرته تزدهر بأبيات قليلة، عاشت وانتشرت، يقول فيها: لولا بُنيّاتٌ كزُغْبِ القَطا رُدِدْنَ من بعضٍ إلى بعضِ لكان لي مُضْطَرَبٌ واسعٌ في الأرض ذاتِ الطول والعَرْضِ وإنما أولادُنا بيننا أكبادُنا تمشي على الأرضِ لو هَبّتِ الريحُ على بعضهم لامتنعتْ عيني من الغَمْضِ وهو ليس بعيدا عما ذكره المبرد في الكامل حين كتب قطري بن الفجاءة لأبي خالد القناني وكان من قعد الخوارج: أبا خالد انفر فلست بخالد وما جعل الرحمن عذراً لقاعد فكتب إليه أبو خالد: لقد زاد الحياة إلي حباً بناتي، إنهن من الضعافِ أحاذر أن يرين الفقر بعدي وأن يشربن رنقاً بعد صافِ أبانا من لنا إن غبت عنا وصار الحي بعدك في اختلافِ! أما في العصر الحديث، فقد تضخم ديوان الشعر العربي بشكل لم يسبق له مثيل، في مديح البنات ومحبتهن، وكتب شعراء قصائد طوالاً في محبة بناتهن، ولهذا موضع آخر.