×
محافظة المنطقة الشرقية

“مسدس” السعودية ثالث آسيا

صورة الخبر

النسخة: الورقية - دولي لا يستقيم فهم الحدة المفرطة التي رد بها المتحدثون بلسان «المقاومة» على الرئيس اللبناني ميشال سليمان، من دون استعادة منظومة الاستعارات والتوريات التي يصر هؤلاء على اللجوء إليها في التعبير عن مواقفهم. والحال أن «الممانعين»، ورثة المدارس الإيديولوجية التي عاثت فساداً في سياسة وثقافة هذه المنطقة، يأبون تسمية الأشياء بأسمائها وكما هي. المباشرة والوضوح من الأمور التي لا يطيقون صبراً عليها ولا يحتملونها. فالأجدى عندهم هو اللجوء الدائم إلى الرموز والشيفرات والرسائل الملغزة. وبعد عقود من التكرار الممنهج، بتنا أمام إدغام لا فكاك منه بين مصطلحي «المقاومة» والحزب الذي يحمل رايتها، أو في احسن الأحوال، الطائفة الوحيدة المؤهلة لإدراك مصالح البلاد والمسؤولة عن شرف لبنان وعرضه ووطنية مواطنيه. عليه يكون اللبنانيون الذين لا يرون رأي الحزب وإعلامه المسلح، يجازفون بمصالح بلدهم العليا ويعرضونه للأخطار المتنوعة والواقعة بين العدو الإسرائيلي وشريكه المستجد التكفيري الإرهابي. واللبنانيون، في هذا المنطق، من رئيسهم إلى أطفالهم، مجموعة من السذج الغافلين الذين يمكن لإسرائيل وأميركا وفرنسا والخليج التغرير بهم و»الضحك عليهم» بحفنة من المال والوعود. ولم يرحم ربك من هذه الآفة غير المحيطين بالحزب المقاوم الشريف النظيف، على ما وصف في جنيف نائب وزير الخارجية السوري فيصل المقداد حلفاءه اللبنانيين. ما من داع للعودة في هذا المقام إلى تاريخ المقاومة اللبنانية وكيفية تطويعها وإفراغها من مضمونها الوطني العام، لكن من المفيد التذكير أن المشكلة ليست في الموقف من «مقاومة» صودرت بفعل فاعل وقصد واعٍ، بل في مكان آخر. المشكلة في «الدولة» كمفهوم يتجاوز مصالح احد الأحزاب واضطراره أو تطوعه إلى تلبية رغبات محركيه الخارجيين حتى لو أدى ذلك إلى سقوط آلاف القتلى اللبنانيين وتهديد ما تبقى من سلامة البلد وأمنه والقضاء على «تعايش» سكانه الصابرين. والمشكلة، أيضاً، في عدم القدرة على استيعاب أن «المقاومة» وسيلة لتحرير الأرض من الاحتلال الأجنبي وليست هراوة يجري التلويح بها كلما بدا أن مشكلة ما تعترض تسيير التوازنات الطائفية. بكلمات ثانية، لم يعد إخراج فزاعة «المقاومة» مقبولاً كلما رأى طرف مسلح أن حرية حركته في سورية، أو فائض قوته أو استقواءه على بقية المكونات اللبنانية، عرضة للمساءلة. لقد بات من الملح حسم هذا النقاش المستمر منذ عقود: إما دولة واحدة في لبنان أو فلتنشئ كل طائفة دولتها وتقاوم وتحارب طواحين الهواء كما يحلو لها. أما أن يُفرض التعايش بين «أشرف الناس» وبين أنذلهم (في رأي الأُول) وأن يضطر قسم كبير من اللبنانيين إلى تحمل تبعات «قرار المقاومة» الذي يتخذ في معزل عن مصالحهم، فهذا مما لم يعد يُطاق. لقد اصبح المشهد مملاً ويبعث على اليأس من أي محاولة لترميم البنية الاجتماعية والسياسية والثقافية في هذه الأنحاء. والشرط الشارط لمباشرة تفاهم صريح وجدي، هو التوقف عن تدوير اللغة ونزع الاستعارات والشيفرات عن خطاب الممانعين ووضع «الطائفة» فيه مكان «اللبنانيين» و»الحزب» مكان «المقاومة»، لتتاح عقلنة ما يصر بعضهم على إبعاد كل عقلانية عنه. وما من أحد قاصر في هذه البلاد وليس بين المواطنين أطفال لا يعرفون كيف يعبرون الطرق.