انتهت فعاليات أحداث ثقافية مهمة في الكويت وعلى رأسها احتفالية «الكويت عاصمة للثقافة الإسلامية»، بكل ما حملته من زخم على مستوى الأنشطة والمشاركات، في ما دشنت الكويت بافتتاحها لمركز الشيخ جابر الثقافي لمرحلة جديدة من العمل الثقافي، المعتمد على رؤى عالمية شكلا ومضمونا. وننتظر بعد أيام قليلة انطلاق فعاليات مهرجان القرين الثقافي في دورته الجديدة، هذا المهرجان الذي احتل مكانة بارزة خليجيا وعربيا، بسبب ما يتضمنه من تاريخ طويل في العمل الثقافي، وهو حدث أرى أنه جدير بمتابعته من قبل الجمهور لأنه يحتوي على فعاليات مفيدة وضرورية لتجديد الحيوية المعرفية، من خلال الندوات والمحاضرات والأمسيات الأدبية والفنية وغيرها، لا يوجد ما يبرر تضييع هذه الفرصة التي تأتي مرة واحدة كل عام، ومن ثم عدم الاستفادة مما فيها من محتوى ثقافي وفني. وفي هذه المساحة سأتحدث عن قضية قديمة جديدة، تحدث عنها الكثير من الكتاب ووضع فيها الباحثون دراساتهم، وفند أسباب وجودها المنظرون والنقاد وأصحاب الرأي والمسؤولون، إلا أنها لا تزال قائمة لا تجد حلا ناجحا، خصوصا في مجتمعاتنا العربية، والقضية التي أعنيها هي انصراف الجمهور عن حضور الأنشطة الثقافية بشكل عام. فالكل... ومن دون القيام بدراسة ميدانية للوقوف عند هذه الحالة... سيرى حجم المشكلة، وسيشاهد بعينيه مشاهدة واضحة أن جمهور الأمسيات والندوات والمحاضرات الثقافية قليل جدا ويكاد- في بعض الأحوال- يقتصر على أهل الاهتمام، مع فقر واضح في حضور المتابع العادي، وهذا الأمر يصيب بعض المثقفين والمهتمين بخيبة أمل، وقد يؤدي- في بعض الأحيان- إلى انصراف بعضهم أو ابتعاده عن التعاطي مع الثقافة والتفاعل الجماهيري معها. والسؤال الذي يلح في هذه الحال: ما السبب ولماذا يعزف الجمهور عن حضور ومتابعة الأنشطة والفعاليات الثقافية؟ وقبل الإجابة عن هذا السؤال علينا أن ننوه إلى أن الثقافة أيضا تعاني من متابعيها على مستوى الفضاء الإلكتروني... فمثلما يسعى الكثير لحضور حفل غنائي أو مسرحية غير هادفة ومعتمدة على الإضحاك من دون مبرر، في حين تجد أمسية لأكبر الشعراء حضورها لا يتعدى أصابع اليدين إلا قليلا... ستجد كذلك على الفضاء الإلكتروني الافتراضي، هناك كتابات ممسوخة أسفل صورة لامرأة عليها من التعليقات ما يفوق الوصف، في حين كتابات جادة ومفيدة عدد من يعلق عليها قليل بصورة لافتة للنظر. ونعود للسؤال... ولا أخفي عليكم سرا إن قلت أنني لا أحمل حلا قاطعا لهذه المشكلة، ولا أرى أن في الأفق ما يبشر بحلول لمثل هذه المسألة، ولكني أقول أن المثقف والمفكر من المفترض أن يصل إلى مستوى من العلم والمعرفة واليقين، الذي يجعله يتأكد أن كل ما يكتب لن يفنيه الزمن وسيظل باقيا، لأنه عمل يحمل روح الحياة، ويريد أن يشارك ويتفاعل مع الحياة، في ما ستموت بعد فترة وجيزة الترهات التي تجد من يتابعها... لوقتها، ولظروفها ولبريقها الزائف، ولكن الانطفاء سيحل عليها، ولن تكون ملتصقة بالتاريخ أبدا... فاكتبوا أيها الكتاب والأدباء والمفكرون وأقيموا الأمسيات والندوات وإصدار الكتب، فأنتم الباقون في سجل التاريخ. * كاتب وأكاديمي في جامعة الكويت alsowaifan@yahoo.com