لا يبدي سكان مدن سعودية ابتهاجاً بقدوم فصل الربيع، ففيه تعود الإصابات بحمى الضنك الفيروسي إلى الظهور، بعد أشهر من خمولها. ولم تمنع بلايين الريالات التي انفقتها المملكة لمكافحة هذا المرض من دون ظهور إصابات جديدة، وخصوصاً في مدن تقع غرب البلاد وجنوبها، يُرجح أن يكون المرض مستوطناً فيها ويهدد حياة 5 ملايين و 456 ألفا و 259 شخصاً. وسجلت الإصابة الأولى بـ«الضنك» في محافظة جدة في تسعينات القرن الميلادي الماضي، لينتقل لاحقاً إلى مدن أخرى، منها مكة المكرمة، وتبوك، وجيزان وأماكن أخرى جنوب البلاد، في الوقت الذي ترددت فيه أنباء عن إصابة أكثر من أربعة آلاف شخص به في جدة فقط خلال العام 2016. وكشف الكتاب الإحصائي لوزارة الصحة الصادر في العام 2015، إصابة أكثر من 4300 شخص بالحمى، وكانت جدة في الصدارة بـ3161 إصابة (عدد سكانها ثلاثة ملايين و 456 ألفا و 259 نسمة)، تلتها مكة 855 ( 825 ألفا و30 نسمة) وجازان 266 (عدد سكانها 789 ألفا و 245 نسمة) وأشارت الوزارة إلى أن حالات الوفاة الناجمة عن المرض تكون بسبب «الحمي النزفية»، وهي أحد الأنواع النادرة للمرض، لكنها «خطرة»، وقد تقتل من 20 إلى 40 في المئة من المصابين في حال عدم تلقيهم العناية الطبية اللازمة. وينتشر المرض عادة في المناطق المدارية، بسبب لدغات إناث البعوض المصاب بفيروس «إيديس إيجبتاي»، والتي تعيش في تجمعات المياه الراكدة ومياه الأمطار والسيول، وغالبيتها إصابات بسيطة تختفى تلقائياً من دون مضاعفات، إذ تقل نسب الوفاة عن واحد في المئة. وسجلت المديرية العامة للشؤون الصحية في منطقة تبوك في العام 2014، وجود 26 إصابة (عدد سكانها 791 ألفا و 535 نسمة) مشتبه بها في محافظة أملج، بينها ستة حالات «إيجابية» (مصابة)، عولجت جميعاً، وكلفت إثرها إدارة نواقل الأمراض في المديرية بعمل مصائد للبعوض. وسجلت جدة 9887 إصابة مؤكدة بالمرض خلال أربعة أعوام فقط، منها 4414 في 2013، و1507 حالات في 2014، و3144 في 2015. وأقرت أمانة جدة في العام 2014، بصعوبة القضاء على المرض بحسب ناطقها السابق محمد البقمي، الذي أشار إلى أن الجهود المبذولة تهدف إلى «تحقيق أقل معدل بالاصابة ومعالجة الأسباب المؤدية إلى ارتفاع كثافة البعوض الناقل للمرض». وأرجع البقمي تكاثر بعوض الضنك إلى «تخزين المياه الحلوة في حاويات مكشوفة الغطاء، ما يتيح فرصة توالد البعوض داخل المنازل»، مستبعداً أن تكون تجمعات المياه المكشوفة، سواءً من الأمطار أو غيرها، من المسببات الرئيسة له، مبيناً أن فرق المكافحة تتعامل معها باستمرار. وتواجه فرق المكافحة صعوبات عدة، أبرزها عدم استجابة كثير من أصحاب المنازل لدخول الفرق، وكثرة حاويات تخزين المياه المكشوفة في البيوت، واختلاف التركيبات السكانية خصوصاً في الأحياء غير المنتظمة، إضافة إلى عدم تمكن الفرق من دخول بعض المنازل لغياب أصحابها. وأبرمت أمانة منطقة مكة المكرمة في العام 2014، عقداً مع إحدى المؤسسات المتخصصة لمشروع عملية المكافحة المنزلية للبعوض الناقل للمرض في المنطقة، بكلفة ناهزت 97 مليون ريال، لمدة ثلاثة أعوام. وسعياً نحو محاصرة المرض، تتعاون جهات حكومية عدة لتنفيذ خطة تعتمد على تركيز أعمال مكافحة في مناطق البؤر فيها، والتمشيط الكامل للوحدات السكنية، والمكافحة الانتقائية في محيط الحالات المبلغ عنها، يتم فيها إشعار وزارة الصحة يومياً بنتائج الاستكشاف الحشري، على أن تتولى شركة المياة الوطنية توفير المياه في الأحياء باستمرار، لتفادي تخزينها في المنازل. بدورها، ألزمت أمانة جدة إدارات المجمعات العسكرية والعمالية فيها بضرورة متابعة أعمال الصيانة والسباكة، للحد من تسرب المياه، والتخلص من النفايات دورياً بالتعاقد مع شركات نظافة، إضافة إلى إنشاء مختبرات علمية لدعم أعمال المكافحة الحشرية، والكشف عن سلالات الحشرات وكيفية مكافحتها، وتحديد بؤر توالد البعوض ومواقع الكثافات العالية منه. ولم يكتشف العلماء علاجاً لحمى الضنك حتى الآن، وتقتصر الرعاية الطبية للمرضى على مواجهة الآلام والحمى، وتخصيص فرق طبية خاصة للمصابين بالنوع الحاد منه، للحد من مخاطر الوفاة الناجمة عن حالات النزيف والقصور في وظائف الأعضاء. يُذكر أن مجموعة «سانوفي» الصيدلانية الفرنسية صنعت العام الماضي، لقاحاً مضاداً لحمى الضنك استغرق إعداده 20 عاماً من البحث وأكثر من 1.5 مليون يورو.