طغت على لقاء الرئيس الأميركي دونالد ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو أحداث دراماتيكية ومثيرة للقلق، منها ما سبق اللقاء، ومنها ما أعقبه. لقد بدأ الأسبوع بإجبار مستشار الأمن القومي مايكل فلين على الاستقالة، والكشف عن اتصالات جرت بين فريق ترامب أثناء حملته الانتخابية والاستخبارات الروسية، وهو ما أحدث فوضى عارمة في البيت الأبيض. وفي اليوم التالي، جاء المؤتمر الصحافي المشترك بين ترامب ونتانياهو، الذي شهد التصريحات غير المتّسقة التي انطوت على حالة من جنون العظمة أحياناً، الأمر الذي دفع كثيراً من المحللين إلى التشكيك في قدرات الرئيس وأهليته، لتولي هذا المنصب. ونتيجة لتنامي مشاعر القلق من اتصالات ترامب مع الروس وسلوكه الخارج عن السيطرة لدى مواجهة الصحافيين والمؤسسات الأميركية الأخرى (كأجهزة المخابرات أو القضاء أو الخصوم السياسيين)، لم تحظ زيارة نتانياهو باهتمام الإعلام، إلا ليوم واحد، ولم يتم التدقيق كثيراً في تفاصيل ما قاله الرجلان في مؤتمرهما الصحافي المشترك. توأم الروح لقد عبّر كل منهما عن حبه للآخر في ذلك المؤتمر. فخلال رئاسة نتانياهو الحكومة الإسرائيلية تعيّن عليه التعامل مع بيل كلينتون وباراك أوباما اللذين ضغطا عليه (وإن لم يكن بالقدر الكافي) من أجل تقديم تنازلات لدفع عملية السلام مع الفلسطينيين، والآن لديه رئيس جمهوري عنده كل المبررات للاعتقاد بأنه يتفق معه في كل شيء. وترامب الذي عارض سياسات أوباما التي وصفها بـ «الضعيفة» تجاه إسرائيل وإيران والقضايا الإسلامية الرئيسية، يرى في نتانياهو توأم الروح. لقد حفل المؤتمر الصحافي بالتملّق المثير للحرج من الرجلين، كل منهما تجاه الآخر، حيث تغنّى ترامب بــ «الديموقراطية واحترام حقوق الإنسان وكرامة الإنسان» في إسرائيل، ووصف نتانياهو ترامب بأنه «الداعم الأكبر للشعب اليهودي والدولة اليهودية». وبعد هذا تحدّث الرجلان عن مستقبل عملية السلام في المنطقة، فكان النقاش حافلاً بالهلوسة والأوهام والخطاب الممتلئ بالتحريض ضد الفلسطينيين. أصر ترامب على أنه يريد التوصل إلى «صفقة كبرى» لإحلال السلام في المنطقة، وكان في البداية غامضاً في ما يعنيه، ولكن بعد أن أقنعه نتانياهو، عبّر عن اعتقاده بأن بوسعه تحويل مخاوف العالم العربي من إيران و«داعش»، إلى تحالف يصنع سلاماً إقليمياً. وأشار الزعيمان إلى أن بعض الدول العربية تتعاون سرّاً مع إسرائيل لمواجهة هذين الخطرين. وعليه، فإنه يمكن تحويل هذه المصلحة المشتركة إلى تحالف علني يصنع السلام مع إسرائيل وفق شروطها! إسرائيل الكبرى هذا وهْم مطلق، صحيح أن بعض العرب يشعرون بالقلق من الخطرين، ولكن ذلك لا يعني التحالف مع إسرائيل على حساب الشعب الفلسطيني، فهذا حلم إسرائيلي قديم، ولكنه يتجاهل التصاق العرب العميق بحقوق الشعب الفلسطيني، كما قال وزير الخارجية الأميركي السابق جون كيري. وكما أظهرت استطلاعات الرأي التي أجريتها، فإن السلوك الإسرائيلي تجاه الفلسطينيين لم يعزّز العداء لإسرائيل فقط، بل أدى إلى تآكل التأييد للمبادرة العربية للسلام في العالم العربي. وعليه، فإن أي تعاون عربي مع إسرائيل يُفهم منه الانتقاص من حقوق الفلسطينيين، سيؤدي إلى خدمة إيران والحركات المتطرفة في العالم العربي، والتي ستستخدم ذلك لإثارة المشاعر ضد مثل هذا التوجه. لقد ركّز الإعلام على تصريحات ترامب بأنه لا يعبأ إن كان السلام سيأتي بدولتين أو بدولة واحدة، لكنه لم يعبأ لماذا قال ذلك، أو ماذا يعني، نتانياهو لا يريد قيام دولة فلسطينية، ولديه طموح لإقامة إسرائيل الكبرى، ولذلك فهو يقوم بخطوات تدريجية لقضم الأراضي الفلسطينية وإقامة المزيد من المستوطنات عليها، وإضعاف القيادة الفلسطينية المعتدلة حتى يجعل ضم الضفة الغربية أمراً واقعاً، وفي حين إنه نجح ــ إلى حد ما ــ في هذه المساعي، إلا أن طموحات الشعب الفلسطيني في العدالة والحرية وتقرير المصير لم تخمد، كما أن تأييد العرب للشعب الفلسطيني لم يضعف. نظام فصل عنصري لقد عزّز نتانياهو قوة اليمين في إسرائيل؛ لدرجة أنه أصبح أسيراً له. ومع انتخاب ترامب، فإن اليمين الإسرائيلي يشعر بزوال الضغوط التي كان يمارسها باراك أوباما على إسرائيل، حتى إن هناك أصواتاً تدعو إلى ضم الضفة الغربية فوراً. ومن جانبه، يقول رئيس الوزراء الإسرائيلي إنه يقبل بحل الدولتين بشرطين: الأول أن يقبل الفلسطينيون بــ «يهودية الدولة»، وسيطرة إسرائيل الأمنية على المناطق الواقعة غرب نهر الأردن، وهما الشرطان اللذان لن يقبل بهما الفلسطينيون أبداً، لأن ذلك يعني الإقرار بنظام الفصل العنصري القائم حالياً. والمثير للقلق أن النقاش الوحيد الذي أعقب الزيارة ركّز على التحذير من أن حل الدولة الواحدة قد يفضي إلى أغلبية عربية فيها، ما يعرّض شخصيتها اليهودية للخطر، ولم يتعرّض أحد لقضايا العدالة وحقوق الإنسان للشعب الفلسطيني. على أي حال، عاد نتانياهو من زيارته إلى الولايات المتحدة ليجد بانتظاره اتهامات جديدة بالفساد وتحدياً جديداً من شركائه في اليمين، وفي واشنطن يواجه ترامب مشكلات كثيرة، وفي النهاية لم تُسهم زيارة واشنطن في دفع عملية السلام، أو فهم لمتطلبات السلام الحقيقي. د. جيمس زغبي* * رئيس المعهد العربي الأميركي في واشنطن.