×
محافظة المنطقة الشرقية

المنصوري: 4 % نمو الناتج المحلي المتوقع للإمارات خلال 2017

صورة الخبر

في محاولة لتمكينها من اللغة العربية بعد تعثرها المدرسي، حاولت فرض قراءات معينة على ميا، ابنتي البالغة من العمر تسع سنوات. فشلي لم يقتصر على عدم اهتمامها بالقصص التي اخترتها– على رغم أنني كنت هنأت نفسي على خياري الموفق لجهة الموضوعات والتصميم، وفوق كل شيء المضمون- بل كاد يقضي نهائياً على رغبتها في القراءة عامة. أي قراءة؟ صغيرتي تقول لي ببساطة إنها تكره اللغة العربية. بدا واضحاً أن إرغامها على قراءة مادة أجدها أنا مهمة، ولا تخاطب بالنسبة إليها أياً من اهتماماتها ليس حلاً. كان علي أن أجد طريقاً أخرى. حاولت أن استعين بمادة صورية بما أن الفيديو هو سيد الموقف بالنسبة إلى هذا الجيل. بعد ساعات من البحث على الإنترنت حفلت بمواد تعليمية كانت بالنسبة إلي إما محافظة، أو تقليدية، إن لم نقل رجعية، تذكرت بنوستالجيا لا تخلو من حسرة الرسوم المتحركة في طفولتي، لتبدأ رحلة عادت بي ولبضع ساعات أكثر من ثلاثين سنة إلى الوراء. وجدت ضالتي. بداية سعدت بذاكرتي التي لا تزال أمينة على كل كلمة ونوتة من الأغاني التي شهدت على صعود أصالة سامي كلارك ونجوميته. اللغة العربية على بساطتها وعدم تكلفها أكثر من مرضية، الجمل قصيرة، اللفظ سليم، والمفردات غنية وإن كانت سهلة. الأبطال أكثر من مقبولين، فـ «ساندي بل» صحافية منطلقة تدور من مدينة إلى أخرى، و «لايدي أوسكار» مغامرة شجاعة لا تخشى أي مواجهة في عالم الفرسان الذكوري، و «حكايات من العالم» يأتي بـ «قصص الشعوب» وطرائفها التي «لا تنتهي». المتعة الشخصية التي اعترتني أثناء رحلتي هذه لم تخل من ذهول لجهة ضحالة المادة المتوافرة باللغة العربية عبر الديجيتال مقارنة بأشكال وألوان من المحتوى الذي «يستهلكه» أبناؤنا باللغات الأجنبية، سواء كان هذا المحتوى تعليمياً (مطلوب ضمن المناهج الدراسية) أم تثقيفياً (موسيقى، تحقيقات...) أو ترفيهياً. المشكلة نوعية بقدر ما هي كمية. فاللغة العربية هي اللغة الرابعة على الإنترنت في عدد المستخدمين (بعد الإنكليزية والصينية والإسبانية) ويشكل الناطقون باللغة العربية نسبة ٧ في المئة من المستخدمين في حين لا يتجاوز المحتوى نسبة الاثنين في المئة عالمياً وهذا على أحسن تقدير. لا تنتهي الأمور عند هذا الحد، فبحسب تحقيق نشرته مجلة Wired فإن مواقع الإنترنت العشرة ملايين الأكثر شعبية في العالم لا تضم أي موقع ناطق باللغة العربية، وفي حين تحتل اللغة الإنكليزية نسبة ٦٦ في المئة من هذه المواقع فإن لغات أخرى أقل استخداماً من العربية مثل اللغة الفرنسية مثلاً تمثل نسبة ٤ في المئة من المواقع العشرة ملايين هذه. قد يقول قائل إن المشكلة مشكلة عرض وطلب، إلا أن الدراسات تشير إلى العكس. في مقابلة أجراها معه موقع «البيان» في العام ٢٠١٤، يتحدث فائق عويس مدير الخدمات اللغوية والتعريب في «غوغل» عن دراسة أجرتها مؤسسته وأظهرت أن اللغة المفضلة لتصفح الإنترنت في مصر ولبنان والإمارات والسعودية هي العربية بنسبة ٦٢ في المئة مقابل ٣٨ في المئة للغة الإنكليزية. دراسة أخرى أجريت لمصلحة قمة أبو ظبي للأعلام تحت عنوان «كيف يؤجج الشباب العرب أسواق الأعلام العربية» توصلت إلى النتيجة ذاتها مؤكدة أن ما أسمته «الجيل العربي الرقمي» أي المنتمين إلى الفئة العمرية بين ١٥ و٣٥ سنة (وهي الفئة العمرية الأكثر تأثيراً على الصعيد الديموغرافي إذ إن ٦٨ في المئة من الناطقين باللغة العربية هم تحت عمر الخمسة وثلاثين) يفضلون المحتوى «المحلي الذي يخاطبهم في شكل مباشر». التقرير استند إلى دراسات وإحصائيات أجرتها مؤسسات إقليمية وأخرى عالمية أغرتها المؤشرات الاقتصادية الإيجابية والواعدة لهذه «السوق» التي تعتبر من الأسرع والأكثر نمواً في العالم. فكبريات المؤسسات العالمية تسعى إلى «تعريب» منتجاتها بموازاة العمل على شراكات تؤمن لها إنتاج محتوى بالعربية التي تعتبر لغة سهلة لكونها لغة بيضاء تجمع أكثر من ٣٥٠ مليون شخص يعتبرونها لغتهم الأم. أما «غوغل»، ولتوسيع رقعة مستخدميه، فقد أدخل في العام ٢٠١٢ أدوات للكتابة تسمح للمستخدم بإدخال النص العربي باستخدام الأحرف الإنكليزية أو ما بات يعرف بـ «العربيزي» اللغة الهجينة بين العربية والإنكليزية. في ظل هذا الطلب، لماذا هذا الشح كماً ونوعاً بالمحتوى العربي؟ يعيد السؤال إلى ذهني مقولة إن العرب لا يقرأون والتقرير المأساة الصادر في العام ٢٠١١ عن «مؤسسة الفكر العربي» الذي وجد أن المعدل الوسطي للقراءة لدى العرب هو ست دقائق في السنة، مقارنة بـ ٢٠٠ ساعة في الغرب. بعض من انتقدوا التقرير في حينه قالوا إنه تركز على الكتب في حين أن أغلب ما يستهلكه العرب على مستوى القراءة يأتي من الصحف والمجلات والتقارير والكتب الدراسية وكتب التسلية، وإن كان ذلك لا يقلل من الفجيعة. العرب لا يقرأون، ولكن لماذا؟ الإجابة في السنوات الماضية كانت متعددة وعلى رأسها غلاء الكتب، وأزمة دور النشر العربية فضلاً عن نسب الأمية العالية نسبياً. ولكن شروط اللعبة تغيرت. أكثر من ٧٠ في المئة من الناطقين باللغة العربية لديهم وصول إلى الإنترنت وما تحمله من محتوى مجاني. نسب محو الأمية باتت تتراوح بين ٨٢ و١٠٠ في المئة. كلفة النشر انخفضت إلى حد بعيد. هل يعني ذلك أن معدلات القراءة لدى العرب يمكن أن تتغير؟ الدراسات تشير إلى تشابه كبير لجهة «استهلاك» المحتوى بين الـ Trends التي يلحقها الشباب العربي مقارنة بأبناء جيلهم في الغرب. يبدو الأمر واضحاً لجهة استخدام الألعاب مثلاً، ومتابعة المواقع الرياضية والترفيهية على أشكالها، ولكن هل يجوز التعميم عند الحديث عن «القراءة» بمضمونها التقليدي حتى لو تغيرت الوسيلة؟ وجدت دراسة أجراها «معهد بيو» في الولايات المتحدة الأميركية أن أكثر من ٨٠ في المئة من المستطلعين تحت سن الثلاثين سنة قرأوا كتاباً كاملاً خلال السنة الماضية، مقارنة بـ٦٧ في المئة لمن هم فوق عمر الخمسة والستين، في حين وجدت دراسة أجراها معهد National Endowment for the Arts أن ٤٣ في المئة من المستطلعين بين ١٩ و٣٤ سنة يقرأون الأعمال الأدبية. هل يمكن الجزم بان المستخدمين العرب من الفئة العمرية هذه لديهم الميول نفسها مع أبناء جيلهم في الغرب؟ حتى إشعار آخر، سيكون من الصعب الدخول في مثل هذا التعميم لسبب بسيط جداً. القراءة الجدية عادة يتم بناؤها منذ الطفولة، وهي تحتاج إلى محتوى غني يخاطب الخيال ويثري الرغبة في المعرفة والاطلاع. كان بإمكان الإنترنت ردم هوة كبيرة، وهو ما حصل إلى حد بعيد في أماكن كثيرة من العالم. كبريات الجامعات بما فيها «هارفرد» و «يال» وضعت مكتباتها كاملة في خدمة المستخدمين في حين لا يتجاوز المحتوى العربي على موقع ويكيبيديا الواحد في المئة. لم يفت الوقت، والفرصة لا تزال سانحة ولكن لن يكون كافياً أن نعود إلى المادة الأمنة من طفولتنا لإقناع أطفالنا بقدرة لغتهم على مجاراة اهتماماتهم وأنماطهم وأذواقهم وحتى تكنولوجياتهم. ميا، التي رقصت معي على أنغام أغنية ساندي بل وهنأتني على قراري أن أصبح صحافية مثلها، لم تتأخر لتؤكد لي أن أي وقت تقضيه في متابعة هذه «الأشياء» يجب أن يحتسب من ساعات القراءة المفروضة عليها، إذ إنه لا يمكنني وفي أي حال من الأحوال اعتبار «رسومي المتحركة» ترفيهاً أو أن أقتطعه من الوقت المخصص لمتابعة التلفزيون أو الإلكترونيات. لا يمكن ميا، حتى أن تتخيل، أن الساعة التي كنا نقضيها في متابعة هذه المسلسلات، مناصفة بين شاشتي تلفزيون لبنان والتلفزيون السوري، القناتين الوحيدتين المتوافرتين على تلفزيوناتنا العملاقة، كانت نافذتنا إلى العالم. نافذة تغلق مرات عدة في الأسبوع بسبب انقطاع التيار الكهربائي، يوم لم يكن هناك حاسوب، ولا «تابلت» ولا حتى مولد كهربائي.