ما هي الحدود التي ربما توقفت عندها ثقة المواطن بالدولة في العصر الرقمي، خصوصاً عندما تحوز الأخيرة قوّة تقنيّة متقدّمة، كأن تكون قدراتها مشتقّة من «الحوسبة الكليّة القدرة» Ubiquitous Computing؟ لنأخذ دولة مثل بريطانيا، فعلى رغم ما تحوزه من تقدم سياسي وحضاري وعلمي واجتماعي، فقدت بريطانيا معلومات عن 28 مليون مواطن خلال النصف الثاني من العام 2007. كانت تلك المعلومات محفوظة في أقراص صلبة، فسرقت، ما يعني أن لصوصاً باتت في متناولهم معلومات حساسة عن أكثر من نصف قاطني المملكة المتحدة. أقل ما يقال إن باستطاعة هؤلاء اللصوص، وبواسطة المعلومات التي غنموها من الدولة، انتحال شخصية أي من ملايين المواطنين، على الشـــبكة الإلكترونية، وإجراء معاملات مالية وإدارية وقانـــونية عنهم من دون أن يثور أدنى شك في الشخصيات التي ينتحلونها! فكّر في سيول الأخبار المُشابهة التي تناهت إلى الأسماع، كتلك التي تتحدث عن سرقة ملايين المعلومات من شركة «سوني» في 2012، تضمّ بيانات شخصيّة مفصّلة عن جمهور أجهزة «بلاي ستايشن» بأنواعه كافة. شملت تلك السرقة معلومات عن عشرات ملايين الأشخاص. فكّر كم شخصاً يلعبون بأجهزة «بلاي ستايشن»، وأنهم ملأوا استمارات تفصيلية عنهم، إضافة إلى أرقام الكومبيوترات التي استعملوها في شراء تلك الأجهزة! تلك المعلومات كلها باتت في أيدٍ غير أمينة، في غمضة عين. أبعد من مجرد تواطؤ في العام 2013، عانى «فايسبوك» ضربات كثيرة موجعة، بل أنها ذكّرت بسيول من الضربات التي حاقت بهذا الموقع في سنوات سابقة. كم من المعلومات عن مئات ملايين الأشخاص، أصبحت قيد التداول غير الشرعي بين أيدٍ غير مأمونة أيضاً. لم يصدّق بعضهم أن «فايسبوك» مكشوف لهذه الدرجة، فذهبت بهم «الخيالات» (أهي مجرّد خيالات؟ لنفكر في الأمر أكثر) إلى القول إن تلك الشبكة الاجتماعية متواطئة مع ضربات سرقة المعلومات الشخصية من موقعها. أيّاً كان الأمر، فكّر كم من سكان «المنازل الذكيّة» هم أعضاء في شبكات اجتماعية رقميّة كـ «فايسبوك»، وكم من المعلومات تتسرّب عنهم. في هذا المعنى، لا تبدو «المنازل الذكيّة» آمنة أبداً، بل ربما تكشف قاطنيها بأكثر مما تحميهم بين جنباتها. وماذا لو فكّرنا بتلك الأمور على ضوء ما تَكَشَف عن قدرات التجسّس التي تحوزها الدول المتقدّمة، في سياق قضيّة خبير المعلوماتية المُنشّق إدوارد سنودن؟ (راجع «الحياة» في 4 آب (أغسطس) 2013 و14 كانون الثاني (يناير) 2014). هل أنت الآن أكثر اطمئناناً أم أشد قلقاً؟ إذا كنت على الحدّ الثاني من السؤال، يكون المقال حقّق جزءاً مما سعى إليه! فايسبوك