د. حسن مدنكيف أمكن للولايات المتحدة التي حققت بانتخاب باراك أوباما رئيساً لها وهو الخلاسي المولود لأب مهاجر من إفريقيا، ومن أصول إسلامية أيضاً، أن تنعطف هذه الانعطافة الحادة نحو انتخاب دونالد ترامب الذي يبشر ب«النقاء الأبيض» لأمريكا، ويتخذ موقفاً يمكن وصفه بالعنصري من الملونين عامة، لا من السود وحدهم، وأن يجاهر ب «تطهير» أمريكا من المسلمين، حين يقرنهم بالإرهاب؟لوهلة بدا انتخاب أوباما، في حينه، رسالة أمريكية إلى العالم بأنها تخلصت من الانشقاقات العنصرية، وأنها باتت تقبل نفسها، كما هي حقيقة: أمة مكونة من موجات هجرة متعاقبة، من مختلف بقاع العالم، لا من أوروبا وحدها، ومن مختلف الأعراق والألوان، لا من البيض وحدهم، وكان لكل هؤلاء المساهمة ذاتها في تشييد «الدولة العظيمة» أو التي تحسب نفسها عظيمة.وقد قُرأت هذه الرسالة بشكل إيجابي خارج أمريكا أيضاً، كإشارة إلى أن العالم يتحول، وأن العولمة، تعني فيما تعنيه، أن يقبل الغرب بما بات عليه من تعدد عرقي وقومي ولغوي وثقافي.لن نتحدث هنا عن خيبة الأمل، غير القليلة، التي سادت في أمريكا وخارجها، من أداء إدارة أوباما، فذاك موضوع آخر لا يدخل في سياق ما نحن بصدده، والذي لا نحسب أن له علاقة بفوز ترامب، فلو اختار الديمقراطيون مرشحاً آخر غير هيلاري كلينتون، ربما كانوا أفلحوا في قطع الطريق في وجه فوزه، ولكن هذا حديث آخر.سرعان ما أظهرت أمريكا أنها غير جاهزة للتحول الجذري الذي أوحى به مجيء أوباما رئيساً لها قبل أكثر من ثماني سنوات، بشكل بدا فيه هذا الأمر، كما لوكان حدثاً عارضاً، بل إن هذا الحدث «العارض» نفسه كان سبباً في انبعاث نزعة كراهية ضد السود وضد المهاجرين، خاصة القادمين من دول عربية وإسلامية، أو حتى من المكسيك ودول أخرى من أمريكا اللاتينية.العولمة ترتد على نفسها في عقر دارها. تريد الولايات المتحدة، ومعها في ذلك دول أخرى في أوروبا أن «تعولم» العالم كي تكون أسواقه مفتوحة أمامها، وأن يصار إلى تهميش الثقافات الوطنية في مختلف بلدان العالم لصالح نمط الثقافة الأمريكية الاستهلاكية، ولكنها في الآن ذاته ترفض أن «تتعولم» هي.تريد عولمة في اتجاه واحد فقط من المركز نحو الأطراف، غافلة عن أن العولمة فرضت آلياتها، فإذ يذهب المركز نحو الأطراف، فإن الأطراف، من حيث هي بشر وثقافات واقتصادات، قادرة، هي الأخرى، على الهجرة نحو المركز.يعزز ذلك أنه ليس ما يعد أطرافاً هي دول أو قوى مهمشة، فبينها قوى صاعدة تصنع عالماً جديداً غير ذاك الذي تريده أمريكا. madanbahrain@gmail.com