عمان – القبس| يقول الدكتور الكاتب محمود أبو فروة الرجبي إن كاتب الأطفال يجب أن يكتب من أجل إمتاعهم بعيدا عن الأيديولوجيا وتحميل النصوص المكتوبة أكثر مما تحتمل. ويؤكد الرجبي، الذي أصدر حتى الآن اكثر من سبعين كتابا للطفل، أن الكتابة للأطفال تحتاج إلى حساسية خاصة، وهي تمتزج ما بين أهداف «الإمتاع» و«الأهداف التربوية والتعليمية». القبس التقت الدكتور الرجبي، عضو رابطة الكتاب الأردنيين والاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب وكان هذا الحوار. ◗ صدر لك أكثر من سبعين كتابا للطفل، ما الرسالة التي أردت أن توصلها من خلالها؟ – أصدرت أكثر من سبعين كتابًا للأطفال، وعشرة عَنْ الأطْفال، وثلاثة أبحاث علمية تربوية عنهم، هناك رسالة رئيسة أحاول إيصالها للمجتمع وَهِيَ أن الطِّفْل يصنع صناعة، بمعنى أنني حينما أتحكم بالبيئة المُحيطة بِهِ، والسلوكيات الَّتي أقوم بها أمامه، فإنهُ سيقلدني، ويستنسخ معظم مَا أقوم به، لذلك فيجب أن أكون إنسانًا بكل معنى الكلمة لِيكون طفلي كذلك إنسانا، أما للطفل نفسه فإنَّ الرسالة هي أنك تستطيع، فأنت كائن ذكي يكسب مع مرور الوقت المهارات، والقدرات، ونحن نثق بأطفالنا، وبأنهم سيبنون مستقبلًا أفضل من المستقبل الذي نعيش فيه. حساسية خاصة◗ تكتب للأطفال بأحلامهم، هل الكتابة للأطفال أصعب من الكتابة للكبار؟ – الكتابة للأطفال أصعب من الكبار من عدة جوانب، فالكتابة للكبار مفتوحة السقف، واللغة، والتراكيب، والأفكار، أما الكتابة للأطفال فهي متخصصة، إذ لا يمكن اختيار أي موضوع والكتابة فيه، وكذلك فهي تحتاج إلى لغة خاصة من ناحية القاموس اللغوي المناسب لهم، ومن خلال التراكيب، وطريقة الكتابة، فالطفل يحتاج إلى جمل قصيرة، بعيدة نوعًا ما عن جمل وكلمات الوصل، ويريد أسلوب سرد رشيقا يتعامل مع الطفل على أنه كائن في مرحلة النمو المعرفي، وليس إنسانًا ناضجاً وهذا يعني أنني أسير في معادلة تجمع ما بين احترامي للطفل، ومراعاتي للمراحل التي وصل إليها في القدرات اللغوية والمعرفية. الكتابة للأطفال تحتاج إلى حساسية خاصة، وهي تمزج ما بين أهداف الإمتاع وهو الهدف الرئيس من الكتابة لهم، مع أهداف تربوية وتعليمية أخرى. لذلك يجب أن نكتب للأطفال كي نمتعهم بعيدًا عن الأيديولوجيا، وتحميل النصوص المكتوبة لهم أكثر مما تحتمل، كتبت سابقًا بهذه الطريقة لكنني الآن أتعامل مع الأطفال بحس المتعة ثم المتعة ثم المتعة. الكتابة للأطفال عالم مملوء بالأحلام ليس للأطفال بل للكاتب نفسه، وكلما ارتفعنا بالحلم اقتربنا أكثر من عالمهم الجميل. صناعة الطفل القارئ◗ كيف نجعل الطفل العربي قارئا في زمن التكنولوجيا والإنترنت؟ – صدر لي كتاب «صناعة الطفل القارئ» وهذه هي المرة الرابعة التي يطبع فيها هذا الكتاب، لكن تغير عنوان من «كيف اجعل طفلي قارئًا؟» إلى «تقنيات الطفل القارئ»، وهذا دليل على أن هناك شرائح من المجتمع العربي مهتمة بهذا الموضوع. نحن الآن نعيش في تحدٍ كبير وهو كيف نجعل الطفل يستمتع بالقراءة وهي تقدم بطريقة واحدة جامدة، وقد لا تستطيع أن تنافس وسائل المتعة الأخرى المذهلة، والمدهشة، والتي تكاد تكون مجانية. من خلال تجاربي المتواضعة مع الأطفال، وفي القراءات القصصية، ودوراتي التدريبية مع المعلمات، والأمهات، والأطفال فإن هناك مفهومًا جديدًا ذكرته في كتابي وهو «القراءة عن طريق اللعب» بحيث وضعت وصفًا لبعض الألعاب التي تجعل الطفل ينتبه للقراءة، وتكون القراءة في الوقت نفسه جزءًا من اللعبة، وفي مهرجان الشارقة المنعقد في العام 2013 أطلقت مصطلح «مربع الجذب الخارق» محاولًا تفسير كيف يمكن أن نحول أي شيء إلى جاذب، وقد جمعت فيه ما بين دراستي الأكاديمية في الإعلام والتربية، وتدريب المعلمات حول التعلم عن الطريق اللعب، وهذه النظرية تأتي في ظل التنافس غير العادل بين القراءة ووسائل الترفيه الأخرى، وهي تفترض أننا إذا أضفنا أربع زوايا من زوايا الحث على المتعة في أي عمل يصبح مثيرًا، وجاذبًا، وهذه الزوايا هي: التحدي، المتعة، التغيير، التفاعل. كارثة الفضائيات◗ باعتبارك أحد كتاب أدب الأطفال، كيف ترى القنوات التلفزيونية التي تعمل في عالمنا والموجهة للطفل؟ – إذا وصفنا معظم هذه القنوات بالكارثية فإننا لا نكون قد ابتعدنا عن الحقيقة، فإذا نظرنا إلى ما يقدم في هذه القنوات فهو بعيد عن التربوية، وقاتل للقيم، ولا يراعي القيم الجمالية، ولا الأخلاقية، وقد وجدت في أحد أبحاثي المحكمة الذي أجريته أثناء تحضيري للدكتوراه أن هذه القنوات تقدم الجنس في مضامينها بطرق إيحائية، وأحيانًا صريحة، وأنها تشجع على العنف، والقتل، والتذويب (نعم هناك مشاهد يتم فيها تذويب الأعداء وتعذيبهم)، إضافة إلى الجمل الغريبة مثل: هل يمكن أن أحظى منك اليوم بقبلة، وغيرها. للأسف ان معظم القائمين على هذه القنوات غير متخصصين سوى بمحاولة الحصول على أكبر عدد من المشاهدات لتنعكس على شكل إعلانات ودخل مالي، والدخل المالي، والعمل التجاري ليس عيبًا بحد ذاته، لكن العيب أن استخدم وسائل لتدمير أطفال أمتي وتربيتهم من أجل الحصول على المال، وللأسف الشديد أن القنوات التي توصف بأنها إيجابية مثل قنوات الجزيرة للأطفال تحولت لتصبح باشتراكات مالية. الجوائز والتحكيم◗ نلت العديد من الجوائز العربية، ماذا تضيف الجوائز للكاتب على صعيد التميز؟ – الجوائز قد تساعد الكاتب ماديًا ومعنويًا على تحقيق بعض الإنجازات ولكن للأسف فإن حصولك على المزيد من الجوائز في الوطن العربي يقلل من فرصتك في العمل مع مؤسسات كثيرة، إذ ان ذلك يجعلك خطراً على بعض الناس وفق وجهة نظرهم، ومع ذلك فالجوائز تبقى وسائل للتحفيز تسهم على تحريك الوضع الإبداعي، والمشكلة ليست في الجوائز بل في البيئة العربية المحفزة للفشل بدل النجاح، ومع ذلك لا بد أن نواصل العمل فليس لدينا خيار سوى الاستمرار ومحاولة الإبداع.◗ حكمت في أكثر من مسابقة عربية كانت موجهة للأطفال، هل الطفل العربي متميز؟ – الطفل العربي بشكل عام متميز، لكن البيئة العربية ليست متميزة في غالب الأحوال، فالمناهج المدرسية على سبيل المثال تدمر التفكير الناقد في عقل الطفل، وتحوله إلى ببغاء يكرر ما يقال له، وهناك مشكلة في العقل التراثي الذي يقدس القديم دون إعمال الفكر فيه، ويعطل التفكير المنطقي، وهذا ينعكس على الطفل، ويجعله يخاف من التفكير في غالب الأحيان.