هم قالوا: رُبّ صورة خير من ألف كلمة، ونحن نقول: رُبّ رسم كاريكاتوري لاذع خير من ألفي أو ثلاثة وربما أربعة آلاف كلمة، لا سيما في مثل تلك المواقف والمناسبات التي عُرِفت منذ عشرات العقود بتواتر الكلمات، وتراكم الجمل، وتزاحم المجلّدات والملفات والمراجع التي ناءت بحملها وتخزينها المتاحف والمكتبات والكتب. لكن كتاباً واحداً هذا العام يجدر به أن يكون خير احتفاء واحتفال، وربما انعكاس واحتدام لهذا الكائن المارد المسكين، العظيم المتدني، نصف المجتمع فعلاً وأثراً لكن ثُمنه أو عُشره، كما يحبون لها أن تكون. وكانت دعاء العدل، ابنة دمياط وخريجة الإسكندرية المقيمة في القاهرة والمتنقلة دائماً بين أرجاء المعمورة للمشاركة في معرض عن المرأة هنا، أو الحديث عنها هناك، أو الحصول على جائزة هنا وهناك وآخرها جائزة «محمود كحيل» عن فئة الكاريكاتور السياسي ضمن «مبادرة معتز ورادا الصواف للشرائط المصورة العربية»، خير من تلخّص حال المرأة في عيدها. رسامة الكاريكاتور السياسي والاجتماعي اللاذع بهدوء والحاد برقة والصارم بلطافة، تحيي المرأة في عيدها على طريقتها الخاصة. ريشتها وقلمها وألوانها الصادمة رسمت وخطّت ما يساوي ويفوق آلاف الكلمات التي عادة تتدفّق في مثل هذه الأيام من كل عام. «خمسون رسماً وأكثر عن المرأة» عنوان الكتاب الذي صدر قبل أيام للعدل ملخّصاً حال المرأة في عيدها. بين رجل أعمال قزم يصعد سلماً ليضع الـ «بار كود» الواجب لصقه على السلع قبل بيعها، وذلك على ظهر عار لامرأة شاهقة تتدلّى من إحدى يديها ورقة بالسعر المطلوب وتقف في إباء رهيب، وقزم آخر في رسم آخر لكن هذه المرة يمثّل رجلاً متشدداً وامرأة فارعة لا يظهر منها شيء تسير خلفه في انكسار شديد. يكاد الرسمان الكاريكاتوريان المتناقضان يتطابقان لدرجة الاستنساخ. فالمرأة في كلتا الحالتين اللتين تبدوان متنافرتين لكنهما في الحقيقة متناغمتان كل التناغم. التناغم المفقود أو بالأحرى المسلوب مع سبق الإصرار والترصّد بين مكانة الرجل والمرأة يظهر واضحاً وجلياً في نصوص قوانين العقوبات، ومنها على سبيل المثال لا الحصر جريمة الزنا. فالقانون المصري يعاقب المرأة المتزوّجة على الزنا أينما كان، في حين لا يعاقب الرجل إلا إن كان مع امرأة غير زوجته على فراش الزوجية. والمرأة التي ثبت زناها تعاقب بالسجن لمدة سنتين، أما الرجل فلا يعاقب إلا إذا كان في منزل الزوجية وبالسجن ستة أشهر فقط. والزوج الذي يفاجئ زوجته حال تلبسها بالزنا وشريكها فينقض عليهما ضرباً قد يؤدّي إلى الموت، أو يقتلهما عمداً، يعاقب بالسجن 24 ساعة. على التخفيف عنها هي «حالة الغضب والاستفزاز اللذين يسيطران على الزوج». أما الزوجة لو فعلت المثل في حال زنا الزوج، فتُحاسب وفق نصوص القانون الجنائي. وهنا بينما يهرع الرجل الزاني هارباً من مكان الزنا، يجد الورود تنهال عليه من كل جانب من المجتمع. أم المرأة الزانية خلفه، فالطوب والحجارة تنهال عليها من كل جانب أيضاً بحسب ما يوضح الرسم الكاريكاتوري. وفي مثل هذه الأيام من كل عام والتي يحلو فيها الحديث عن الإنجازات التي أحرزت في مناهضة العنف ضد المرأة والفتاة، تنتقل ريشة العدل بين عاملة منزل طفلة تحمل هرماً من الأعمال المنزلية تتراوح بين طبيخ وغسيل وكنس، و «سيدة منزل» تشاهد التلفزيون على الأريكة وسيد منزل يقرأ الصحيفة، وأطفال يلعبون ويصيحون وجميعهم محمول على كتفي الصغيرة. الصغيرة نفسها بطلة رسم مجاور تحاول فيه الهرب من رجال المنزل الذي تعمل فيه والذين يطاردونها في محاولة للاعتداء عليها. وفي ثالثة ترى العدل المرأة سيدة ضخمة البنيان تحمل سلتين كبيرتين وتمشي مسرعة. تحوي الأولى الأطفال وكتب المدرسة ودماهم وألعابهم، والثانية تحوي الزوج المنهمك في قراءة الصحيفة وإلى جواره متطلّبات عملها خارج البيت. ومن البيت إلى المكتب والشارع حيـــث تحرّشات العمل المتحوّلة روتيناً يومياً لكثيرات، فرئيسها في العمل يتــــحرّش بها معتبراً ذلك حقاً وأمراً مفـــــروغاً منه، وتحرّشات الشارع جزء لا يتجـــزأ من تفاصيل الحياة اليومية العــــادية. وإن حاولت المرأة السفر أو الهرب من مثل هذا الواقع، فإن أسهل ماـــ يمـــكن أن تواجهه، باعتبارها واحداً منقوصاً في مجتمعات عدة، هو قرار الرجل (أي رجل) منعها من السفر. فقد يعارض الزوج، أو يرفض الأب، أو يقرر الأخ أنه لا يريدها أن تسافر. وإن اكتفت صاحبة العيد بالهرب عبر الأفكار والإبداع، فإن ازدراء الأديان لها بالمرصاد. وليس أدل على ذلك من القضية التي طاولتها إبان حكم الإخوان المسلمين في عام 2012، وذلك بعد ما قرر النائب العام السابق طلعت عبدالله تحويلها إلى النيابة بتهمة ازدراء الأديان. كل هذا والقانون والمجتمع متضامنان ضد «نصف المجتمع» بالإبقاء على صوتهما حبيساً ومطالباتهما بالعدل والعدالة قاصرة على أمور لا تمت إلى المرأة بصلة، إلا في ما ندر. ويندر أن تجد أطراف النقيض متفقة واقفة على قلب «راجل» واحد. لكن في رسم كاريكاتوري للعدل، يركض الفرقاء ضمن فريق واحد قوامه المتشدد ورجل الأمن ورجل القانون والذئب والرجل العادي، كل مدجج بطوبة أو سيف أو شوكة أو عصا أو مطرقة خلف الفريق الثاني المؤلّف من أنثى. لكن الأنثى نفسها تقف على متن مركب صغير في بحر هائج قوامه أياد تحاول الوصول إليها، وسط رياح تتكوّن من أذرع تحاول النيل منها، ولسان حالها يقول «أبداً لن تهزم روحي» في رسم بليغ. ومن البلاغة إلى الروعة، حيث تمشي سيدة تحمل حقيبة تحوي أوراقاً يبدو من هيئتها إنها تتقلّد منصباً رسمياً مهماً على غير العادة. ويمشي إلى جوارها زملاؤها من الرجال وتبدو أمارات الجدية والعبوس على وجوههم التي تخفيها شنباتهم المستمدة من شعرها الطويل المنسدل من رأسها ووجهها يحمل ابتسامة هادئة واثقة. الهدوء والثقة على رغم العاصفة الغادرة الهادرة التي تستهدف المرأة في المجتمعات العربية، مرة بأياد ديكتاتورية، ومرة بأسلحة عسكرية أو طعنات إرهابية، ومرة بسموم ظاهرها ديني وفحواها لا يمت إلى الدين بالصلة، ومرة بثقافة تحوي ترهات أكل عليها الزمان وشرب، كلها أفكار ترد في «50 رسمة وأكثر عن المرأة» وذلك في عيد المرأة.