×
محافظة المنطقة الشرقية

إبراهيم العريض.. مؤسس الشعرية الجديدة في البحرين

صورة الخبر

تعرفت «ناهد» إلى «محمود» زميلها الموظف في المدرسة بعد شهور قليلة من التحاقها بالعمل، ووجدت نفسها مشدودة إليه وشعرت بأنه فارس الأحلام الذي كانت في انتظاره، وبأنها تحتاج إلى الحديث معه فقد كان غاية في الوسامة والأناقة، ولحسن حظها نالت إعجابه هي الأخرى. بدأت علاقتهما تقوى يوماً بعد يوم وتدريجياً ارتفعت الكلفة بينهما وتحطمت الحواجز، وبدأ يلقي على مسامعها كلمات الغزل فوجدت فيه الحبيب الذي تتمناه حتى جاء اليوم الذي صارحها فيه بحبه فصارحته بحبها هي الأخرى. تقدم محمود للزواج منها لكن والدها رفضه رفضاً تاماً لأنه كان قد اتفق مع صديقه الحميم على زواج ابنه من «ناهد» كما اعتبر أن «محمود» عريس غير مناسب لابنته فهو لا يمتلك أي شيء يقدمه إليها، إلا أن «ناهد» لم تهتم بكل ذلك وصممت على الزواج من «محمود» مؤكدة أنها لن تتزوج سوى الذي اختاره قلبها، وأمام إصرارها ورفضها جميع محاولاته التي قام بها لإجبارها على الزواج من ابن صديقه وافق والدها على زواجهما.شهور قليلة دامت خطوبتهما ومع كل يوم كان الحب بين «ناهد» و«محمود» يزداد يوماً بعد يوم حتى تم الزواج في حفل بسيط في منزل العروس، ورغم بساطة الحفل كانت ليلة الزفاف جميلة، وانتقل الزوجان إلى شقتهما الصغيرة وبدءا حياتهما متفائلين بالحياة الجديدة المقبلة، وكل منهما سعيد بالآخر ومر شهر العسل عليهما كثوانٍ مليئة بالحب شعرت خلاله «ناهد» بأنها حققت السعادة التي كانت تنشدها وازدادت سعادتهما بإنجاب طفلهما الأول ثم رزقهما الله بالطفل الثاني وبعده بعام واحد جاء الطفل الثالث، وكان الأطفال مصدر سعادة لهما أضافت إلى علاقتهما المزيد من الترابط والتماسك، واعتقدت «ناهد» أن سعادة أسرتها قد اكتملت، خاصة وأنه لم تحدث مشاكل بينهما سوى المشاكل العادية التي يحدث مثلها بين أي زوجين، ومع تقدم السن وزيادة أعباء العمل بدأت «ناهد» تشعر ببعض الآلام في ظهرها ونصحها الطبيب بتقليل مجهودها ففكرت لأول مرة في اللجوء لمن يساعدها في تنظيف وترتيب الشقة ورعاية الأولاد، وتوالت الشغالات على المنزل ولم تكن إحداهن تبقى أكثر من شهور معدودة ثم تطردها «ناهد» ولكل واحدة منهن الأسباب التي تحتم طردها، وكلها تدور حول سرقة ما تطوله يداها من المنزل حتى استقرت على ضرورة إحضار إحدى قريباتها من القرية، وبالفعل تمكنت من إحضار «عبير» وهي فتاة تجاوزت الثامنة عشرة بقليل خفيفة الحركة نظيفة مرتبة تجيد الطهي وكل أعمال المنزل، وقد وهبها الله جمالاً لم يستطع الفقر أن ينال منه أو يخفيه عن العيون وتركت التعليم مبكراً لعدم قدرة والدها على الإنفاق عليها ولديها ثلاثة من الأشقاء أكبر منها يقيمون في القرية، وجميعهم شبه عاطلين فمن يعمل منهم يوماً يتعطل أسبوعاً، وكانت المشاكل المالية هي التي دفعت الأب الذي تراكمت عليه الديون وأعيته الحيل في تدبير قوت أسرته إلى الموافقة على عمل ابنته فور بلوغها الرابعة عشرة خادمة في منازل الأثرياء، وتنقلت من منزل إلى آخر حتى استقرت في منزل «ناهد»، وفوجئ «محمود» عند عودته من العمل بزوجته تستقبله بابتسامة كبيرة وهي تبشره بحضور الخادمة الجديدة ونادتها فجاءت مسرعة من المطبخ ولم يصدق «محمود» عينيه وهو يراها حتى إنه نسي نفسه أمام زوجته وأخذ يدقق النظر في جمال الخادمة التي لم تخف ملابسها البالية قوامها الممشوق. اطمأنت ناهد «للشغالة الجديدة التي بدأت عملها بهمة ونشاط وبذلت كل مجهودها حتى ترضى عنها مخدومتها التي عاملتها على أنها ابنتها وليست خادمة وأغدقت عليها بالمال وأعطتها الكثير من ملابسها التي تصلح لها، وعلى الجانب الآخر رفعت عبير عن عاتقها الكثير وكانت الأمور تسير بهدوء وازداد جمال «عبير» إشراقاً مع كل يوم يمر عليها ومع مرور الوقت اندمجت الشغالة الحسناء مع الأسرة وصارت تقريباً واحدة منهم، كان محمود هو الذي يعاني الكثير في تعامله مع هذه الشغالة الشابة التي أيقظت رجولته، خاصة أنه أحياناً كثيرة يكون بمفرده معها في المنزل فالأولاد في المدارس والزوجة في العمل، مع الوقت توطدت العلاقة بين الشغالة ورجل المنزل الذي كان قد تجاوز الأربعين وتجاوزت سنوات الزواج أكثر من عشر، وبسبب الاحتكاكات اليومية ضاع رصيد الحب الذي كان يجمعه مع زوجته علاوة على انشغالها في العمل وفي تربية الأولاد الثلاثة وبدأ يبث الشغالة الشابة غرامه فبدأت تعطيه في كل خلوة بضع قبلات حتى حصلت زوجته على ترقية جديدة في عملها في غير موعدها ففرحت بالطبع بالترقية التي زادت من ساعات غيابها عن المنزل مع تضاعف مسؤولياتها، واتسع الوقت الذي يختلي فيه «محمود» مع الشغالة حتى حدث ما كان لا بد أن يحدث، واستغرقت الشغالة في نوبة هستيرية من البكاء ولم تكف إلا بعدما أقسم لها بأنه سوف يتزوجها زواجاً شرعياً على يد المأذون بشرط أن يكون الأمر سراً بينهما حتى يتدبر أموره. لم تشعر «ناهد» بما حدث وأمام إلحاح الشغالة وحتى يضمن سكوتها أخذها «محمود» إلى المأذون وتم عقد القران، وبعدها كانت اللقاءات تتم بينهما كلما خلت الشقة ومر عام كامل على هذا الوضع وظلت «ناهد» في غفلتها وثقتها الزائدة بزوجها حتى بدأت تشعر بأن الشغالة تغيرت، ونظراً لصلة القرابة بينهما خافت عليها أن تكون قد ارتبطت بعلاقة مع أحد الأشخاص، فقامت بتفتيش حجرتها وكانت المفاجأة التي وقعت عليها كالصاعقة حين عثرت على وثيقة الزواج، ولم تصدق نفسها فانتظرت عودة زوجها وواجهته واتهمته بالخيانة، وبأنه لم يفكر في موقف أبنائه منه كما لم يفكر في جرح كبريائها، وهنا ارتدى «محمود» ثوب الشجاعة واتهم «ناهد» بأنها السبب في كل ما حدث بسبب إهمالها له بحجة انشغالها في العمل وفي العناية بالأولاد، وأكد لها أن أية فضيحة سوف تنالها أكثر مما تناله فهو لم يرتكب جرماً، ومن الخير لها أن تصمت حتى تظل الشغالة كما هي شغالة، وإعلان أمر الزواج سوف يحولها إلى سيدة منافسة تطالب بكل حقوقها لأنه لن يطلقها فالطلاق ستترتب عليه مصائب لا حدود لها مع الفضيحة، وعليها أن تحسن معاملة الشغالة وألا تناقشها في الأمر وإلا رفعتها بذلك إلى مكانتها فتضع الشغالة نفسها معها على قدم المساواة، لذلك من مصلحتها أن تتظاهر تماماً بأنها لا تعلم. وجدت «ناهد» نفسها أمام خيارين كلاهما مر، ورغم صعوبة الأمر عليها اقتنعت بالمنطق السقيم لزوجها، وبأن الحقيقة بكل قسوتها أهون من مرارة الفضيحة، وطلب الطلاق يعني انتصار الشغالة عليها، لكن ذلك أثر في صحتها وكاد يصيبها بالشلل ولزمت الفراش أياماً لكنها تماسكت وعادت إلى العمل وهي تعرف أن كل ساعة تقضيها خارج البيت تمنح الفرصة لزوجها كي يختلي بالشغالة. كان يمكن أن تسير الأمور على هذا الوضع طويلاً، لكن الشغالة تعجلت وسولت لها نفسها أن تنهي حياة سيدتها حتى تحل محلها، فوضعت لها كمية من سم الفئران في كوب الشاي الذي تعده لها كل صباح، وسقطت «ناهد» تتلوى من شدة الألم وتم نقلها إلى المستشفى على وجه السرعة لكنها لفظت أنفاسها الأخيرة في الطريق، واكتشف الأطباء وجود بقايا السم في معدتها. تلقت الشرطة بلاغاً بالحادث وكشفت التحريات أن الشغالة هي التي دست السم للمجني عليها، فألقي القبض عليها واعترفت بكل شيء وأمرت النيابة بحبسها على ذمة التحقيق.