مفتاح شعيب من السابق لأوانه معرفة المدى الذي ستصله أزمة الهلال النفطي في ليبيا، ولكنها تعتبر إحدى أخطر المعضلات التي تواجه ذلك البلد المأزوم، فبالتوازي مع التصعيد المسلح الذي تتبناه الأطراف ذات الصلة، تلوح بوادر انفجار أوسع يهدد بنسف مبادرات الحل، كما بدأت ظواهر سلبية تتجلى في وقت قاتل لتساهم بقوة في زيادة تعقيد الوضع.أول التداعيات كان من طبرق، حيث صوّت البرلمان المعترف به دولياً لإلغاء اعتماد «اتفاق الصخيرات» الأممي كإطار لإنهاء الأزمة، ودعا إلى تنظيم انتخابات تشريعية ورئاسية قبل فبراير 2018، بما يعني الإبقاء على واقع الحال عاماً آخر مع ترجيح تدهوره إلى الأسوأ. وجاء ثاني التداعيات مع زيادة الحضور الروسي في ليبيا وما يتم تسريبه عن نشر قوات ونشاط استخباري كبير، وما يسببه ذلك من قلق لدى الحكومات الغربية التي ترى في ليبيا جزءاً أساسياً من مصالحها، ومن أجل ذلك عملت ما بوسعها للإطاحة بنظام العقيد معمر القذافي. أما ثالت التداعيات وأخطرها، فيتمثل في الأنباء المؤكدة عن اتجاه الجماعات الإرهابية، ومنها تنظيم «داعش» إلى إعادة تنظيم صفوفها، بعد أن فقدت تحت ضربات الجيش الوطني وقوات حكومة الوفاق مراكز حيوية، منها سرت وبنغازي ودرنة. وكأن الهجوم الذي شنه خليط من ميليشيات متطرفة على منطقة الهلال النفطي جرى افتعاله لصناعة أجواء من الفوضى، تمكّن الجماعات الإرهابية من العودة مجدداً إلى دائرة الأحداث.حين يتم جمع كل هذه العوامل، يتأكد أن السقف العالي من الآمال الذي بني قبل أسابيع قليلة قد انهار أو أوشك. فإلغاء الاعتماد على الاتفاق الأممي يعني أن ليبيا عادت بسرعة إلى ما قبل الاتفاق، مع ملاحظة أن صواعق الانفجار باتت أقوى وأخطر من أي وقت، ويعني أيضاً أن المساعي المبذولة لجمع الأطراف على أرضية واحدة قد تبخرت. كما أن امتداد أذرع قوية مثل الدور الروسي من شأنه أن يغير المعادلات ويفرض معطيات لا يمكن تجاهلها، ومن غير المستبعد أن يكون لهذا الدور الكلمة العليا في وقت قريب، بينما ستساهم التقارير الأمريكية عن استعادة الجماعات الإرهابية جزءاً من أنشطتها وانتشارها في بلورة مواقف دولية أكثر تشدداً واعتماداً على العمل المسلح، ومن غير المستبعد أن يتم الاتجاه إلى التحرك العسكري لحماية أغنى منطقة نفطية في ليبيا وإفريقيا. فإذا خرج الهلال النفطي على إرادة سلطة مسؤولة سيسقط بأيدي ميليشيات وجماعات متطرفة. وهذا الأمر حذّر منه الجيش الوطني الليبي، لأن المجموعات المسلحة التي هاجمت المنطقة كانت بالفعل خليطاً من فلول «القاعدة»، و«داعش»، وميليشيات «ثورية»، ومرتزقة أفارقة. وحملت هذه المجموعات عنوان «سرايا دفاع بنغازي» التي هزمها الجيش في الأشهر الماضية، وتريد أن تنتقم منه بإثارة هذه الأزمة وإحداث صدام بين السلطتين القائمتين في كل من طرابلس وطبرق.هناك من يذهب إلى الاعتقاد بأن أطرافاً إقليمية ودولية تقف خلف هذه الأزمة نكاية بأطراف أخرى. فبعض القوى تضايقت كثيراً من المبادرة التونسية المصرية الجزائرية حول ليبيا، وعملت على إفسادها مبكراً لإطالة عمر الأزمة، ويبدو أنها قد نجحت فعلاً في إحداث انفجار هائل فوق بحيرة نفطية، لاستنفار أكبر عدد من «الإطفائيين» للتضليل على المفجّر الفعلي لهذه الأزمة. chouaibmeftah@gmail.com