لا شك أن هناك ازدواجية معايير واضحة تتبعها الدول الأوروبية تجاه الديمقراطية وحقوق الإنسان في المشرق، ويترافق مع ذلك تحدٍّ داخلي يكمن في المواطنة المزدوجة وحدود دور كل دولة. هذه الخطوات الهولندية والألمانية الأخيرة، التي تمس حرية التعبير غير مبررة ويجب الوقوف ضدها، لكن بالمقابل لا أظن أنه من المفيد أبداً هذا التصعيد والتوتر الكلامي في علاقة تركيا والدول الأوروبية وفتح جبهات جديدة لأردوغان مع الغرب، وهنا يجب على الأخير أن يكون صادقاً وحكيماً في نفس الوقت. طبعاً أردوغان يعتمد في خطواته على حقيقة أن ارتباط الاتحاد الأوروبي بتركيا كبير (قضايا اللاجئين، التجارة والعمالة وأمور أخرى)، ولكن هذا لا يعني عدم وجود تخوفات من تفضيلات في هذه العلاقة المتشابكة من قبل الأوروبيين يمكن أن تلقي بتبعاتها على الأتراك. أهم مكتسب لتركيا اليوم هو انتقالها لدولة تحترم الصندوق وتكفل الحريات، والخشية من التعديلات الدستورية بتوطيد سلطة الرئيس في بعض نقاطها صادقة (وخصوصاً التدخل في شؤون القضاء)، خصوصاً إذا نظرنا إلى الأمر من منظور ديمقراطي محض من غير نظرة لتعقيدات الواقع وحقيقة عدم دمقرطة المؤسسات القضائية (وغيرها) والمسؤولين عنها بشكل كامل في تركيا، ولكن غالبية التخوفات المتعلقة في تعديلات الدستور في غير محلها، الكل منوط بروح الدستور وتطبيقه فيمكنك بدستور يبدو ديمقراطياً أن يكون من يرأس الدولة أكبر ديكتاتور والعكس. ومجدداً الخشية من كبر العظمة لأردوغان وتبعاته ممكن، ومن الأهمية بمكان السعي لتبادل السلطة والأجيال في تركيا فهذا أسلم لتركيا ومستقبلها وأردوغان والعدالة والتنمية. طبعاً لا يمكن مقارنة تركيا بالدول العربية المجرمة والظالمة وبنفس الوقت هذا لا يمنع الحرص على تقدم تركيا ورفعتها من خلال حفاظها على الحرية والعدل وهويتها. أخيراً وعوداً على ما كتبت في البداية ما حدث في ألمانيا وهولندا في شقه الآخر يجب أن يضيء نقاط تساؤل على حدود وضوابط المواطنة المزدوجة (كالأتراك في ألمانيا الذين يملكون جنسية دولتين هما ألمانيا وتركيا)، وهذا سؤال مهم للدول الديمقراطية الحديثة في عصر الهجرة. ضوابط هذه المواطنة المزدوجة يجب أن تكون بشكل يضمن حرية التعبير وحرية التجمع السياسي وحقوق المواطنة في كلتا الدولتين وبنفس الوقت مع احترام السيادة الوطنية للدول ولهذا الحديث حاجة لأبحاث موسعة. ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.