د. ناجي صادق شراب مع كل إدارة أمريكية جديدة يبرز التساؤل عن موقف هذه الإدارة من عملية السلام في الشرق الأوسط، وهل من رؤية جديدة لديها؟ كل المرشحين للرئاسة يتبنون مواقف «إسرائيل» ويؤكدون على الالتزام بأمنها ودعمها واستمرار تفوقها. ومن غير المتوقع أن تتغير هذه السياسة في عهد الرئيس ترامب بعيداً عن هذا الالتزام الثابت في السياسة الأمريكية. وبمتابعة مواقف ترامب أثناء حملته الانتخابية، وبعد توليه الرئاسة وبعد لقائه الرئيس محمود عباس والتزامه بتحقيق السلام لا نلاحظ تغيراً ملموساً، بل ثباتاً واضحاً على مواقف سابقة معلنة. ولعل الجديد في موقفه هو الإسراع في إعطاء أولوية لرغبة أمريكية في تحقيق «تسوية تاريخية» من دون أن يحدد كيف سيتمكن من ذلك. قد يكون من الصعب القول إن هذه الرؤية قد اكتملت، وأصبحت واضحة الأهداف والآليات، لكن مع ذلك يمكن تلمس بعض ملامحها من خلال تصريحات للرئيس ومستشاريه، ومن خلال التعرف على أركان إدارته. ففي أول لقاء له مع نتنياهو، عبر عن تأييده لخيار التفاوض الثنائي المباشر بين الفلسطينيين و«الإسرائيليين»، وعدم فرض أية حلول على الطرفين، ولا يتمسك بحل الدولتين، وإن كان عدم القبول به يؤدي لحل الدولة الواحدة. والموقف غير واضح من قضية الاستيطان، فتأييد حل الدولتين يعني موقفاً معارضاً للاستيطان، وهو ما تحاول هذه الإدارة تجنبه كما كان حال إدارة الرئيس أوباما التي تبنت حل الدولتين، ومعارضة الاستيطان، لتنتهي بعدم معارضة القرار الأممي 2334 الصادر من مجلس الأمن، والذي يدين كل الاستيطان «الإسرائيلي» على الأراضي الفلسطينية، وهذا مستبعد في ظل إدارة الرئيس ترامب التي أسقطت دور الأمم المتحدة إزاء هذا الأمر. تبدو ملامح هذه الرؤية في أول خطاب له أمام الكونجرس، حيث أكد على أن التحالف مع «إسرائيل» لا يمكن خرقه، كما بدت ملامح هذه الرؤية تتكشف مع أول زيارة لمبعوثه الشخصي جيسون جرينبلات للمنطقة، وتصريحه الواضح بأن إدارة الرئيس الأمريكي تسعى إلى عملية سلام تحفظ أمن «إسرائيل» واستقرار المنطقة. وهذا التصريح كشف عن عنصرين من عناصر الرؤية الأمريكية الجديدة: أمن «إسرائيل»، حيث إن أي تسوية سياسية ستأخذ في الاعتبار الحفاظ على أمن «إسرائيل»، ليس فقط بتأييد الولايات المتحدة لهذا الأمن، ولكن من خلال الدورين الفلسطيني والعربي. وهو ما يعني أن أي كينونة فلسطينية لا ينبغي أن تشكل تهديداً لأمن «إسرائيل»، وقد بدت ملامح هذه الرؤية خلال لقائه عباس وتأكيده وقف التحريض والتصدي لكل أعمال العنف. والعنصر الثاني في هذه الرؤية هو تحقيق الاستقرار في المنطقة، وهنا الربط بين السلام والخطوات الإقليمية من خلال التفكير في شكل من أشكال التحالف الإقليمي تكون «إسرائيل» طرفاً فيه، وبناء على هذا الموقف قد يتحدد الموقف العربي من فكرة السلام الإقليمي. البيئة الفلسطينية مواتية للقبول ببعض عناصر هذه الرؤية، ولا تستطيع «إسرائيل» أن تشكك في نوايا وأهداف البيت الأبيض، وأما الوضع العربي فهو أكثر استجابة ورغبة للتعامل مع إدارة الرئيس ترامب، وليس في موقف يسمح له بمعارضة الدور الأمريكي في حل ملفات المنطقة، وخصوصاً ملف الإرهاب. ولا تستطيع الدول الإقليمية كإيران وتركيا الذهاب بعيداً في معاداة السياسة الأمريكية. جوهر هذه الرؤية يقوم على ما يسمى بعقيدة الصفقة التي تتبناها الإدارة الأمريكية، والتي يمكن أن تطبق لتمرير رؤيتها للتسوية. وبالنسبة للرئيس ترامب ترتبط هذه العقيدة بما يعرف في العلاقات الدولية الصفقات التجارية، أو عقد سلسلة من الصفقات المتتالية بين الفواعل الدولية. لكن هناك صعوبة في التنبؤ بما قد يقوم به ترامب من تصرفات، وما إذا كان سيدير الصفقة كرجل أعمال يدير شركة أم كرجل أعمال يدير دولة كبيرة كالولايات المتحدة. ولذلك قد نتصور لقاءات ثلاثية أو رباعية تجمع عباس ونتنياهو وقد تتحول لمؤتمر للسلام يجمع دول المنطقة بالتوازي مع آلية التفاوض المباشر. والجديد أن تكون هذه المفاوضات لفترة زمنية محددة مرتبطة بكل من الرئيس عباس ونتنياهو، حيث بإمكانهما الوصول لتسوية مؤلمة. ما زالت هذه الرؤية في بدايات التبلور والاكتمال، وقد تكتمل مع لقاء قادة المنطقة، وعلى أثرها ستبدأ الخطوة الأولى في مفاوضات مباشرة قد تبدأ بعد شهور من الآن ولا يستطيع أي طرف رفضها. drnagish@gmail.com