×
محافظة المنطقة الشرقية

(واس) تطلق حسابها في تويتر باللغة الفرنسية

صورة الخبر

د. عمر عبدالعزيزظاهرة الإرهاب ليست حكراً على دين أو ملة بذاتها ولكنها تسير بخُطى متصاعدة في العالم الواسع، وهو ما يقتضي النظر بإمعان إلى الرافد الإعلامي في معادلة الإرهابالنظر للإرهاب من منظور إعلامي يتطلب قدراً من التفكيك المفاهيمي لظاهرة الإرهاب، بوصفها ظاهرة طارئة على التاريخ والجغرافيا العصريين، ولم تأت هذه الظاهرة من فراغ، بل سبقتها مقدمات أساسية تستحق التوقف والاستعادة، حتى نعلم ماهية الحقيقة المجردة في هذه الظاهرة.وقبل أن نلج إلى التوقف حول ظاهرة الإرهاب نشير إلى البُعد الثاني في العنوان والمتعلق بالإعلام، ما يقتضي حديثاً ضافياً عن الإعلام بوصفه الرافعة الكبرى في معادلة الخطاب التواصلي مع الجمهور، وهي معادلة تفاعلية، ليس بالمعنى الثنائي المرتبط بالمُرسل والمتلقي، ولكن أيضاً بالمعنى الواسع للكلمة، وإذا ما توقفنا أمام الإعلام الجديد لا بد من إقرار أثر وسائل التواصل الاجتماعي عبر الإنترنت في كامل أوجه الحياة المعاصرة، ولكونها تكتسي طابعاً خاصاً في الإعلام المعاصر، استناداً إلى الطبيعة النوعية للإعلام الجديد، من حيث الفاعلية، ومخاطبة قطاعات واسعة من الجمهور، ونمط الرسالة الإعلامية. ومن المؤكد أن الآثار الإيجابية للتواصل الاجتماعي تترافق مع أُخرى سلبية، ما يقتضي الوقوف على المستويين واستجلاء الحقيقتين، وعلينا هنا أن نعترف بكل صدق، بأن هذا التواصل عبر تطبيقات الوسائط تحولت إلى منصة إطلاق لدعوات التعصب والتحريض، ونشر ثقافة الكراهية، ما يستدعي البحث عن إجابات للأسئلة الكبرى التي تطرحها هذه الوسائط على المعنيين بأمر الإعلام. بادئ ذي بدء، تجدر الإشارة إلى أن المُتغير الكبير في مفهوم الإعلام المعاصر يتعلق بالفارق الجوهري بين الإعلام السابق الذي كان ينطلق من المؤسسة صوب الجمهور، ويتفرَّد بالقدرة على تطويع سيكولوجيا المتلقين، وفق المرئيات الثقافية والسياسية والتربوية للجهة المشرفة على البث، وبين الإعلام الجديد الذي يخرج عن سيطرة القائمين على أمر المؤسسة، وبمتواليات متصاعدة.. تلزم الفاعلين الصانعين للرسالة الإعلامية بضرورة الأخذ بفكرة التفاعلية الأُفقية مع الجمهور المستمع والمشاهد، تلك التفاعلية التي لم تعد واقفة عند تخوم الاستبيانات، ورصد وجهات النظر، وتعديل الخرائط البرامجية، بل أصبحت تدخل في نسيج الأداء اليومي للأجهزة، وعلى النحو التالي: • المستمع، والمشاهد المعاصر يتحوَّل إلى مصدر مهم في الخبر، باعتباره قادراً على تزويد المؤسسة الإعلامية بانفرادات يصعب الحصول عليها بواسطة المُخبرين الصحفيين محدودي العدد في هذه الأجهزة.• تحتل الصورة مكانة مركزية في المعادلة الإعلامية التفاعلية المعاصرة، واستتباعاً تصبح الإشارات تعبيراً عن كُنه المرئيات وجوهرها، فيما تتراجع الكلمة لتنفسح على تناصٍّ جبريٍّ مع الصورة والصوت. • المعالجات الجرافيكية قيمة متصاعدة في الأداء الإعلامي المعاصر، بحيث يمكننا الحديث عن تمازجية شاملة، قوامها الكلمة والصورة بشكليها الإستاتيكي والديناميكي، والكتابة والمؤثرات الضوئية والصوتية أيضاً، كأننا أمام فن للفنون الممزوجة. • الاتصال المعاصر يميد نحو اتصالات غير لفظية تعتدُّ بالإشارة قبل العبارة، وبالديكور التجريدي قبل الرسوم الواضحة، وبالتعبيرية الغنائية المجردة قبل التجسيم واضح المعالم.• تعتبر المصداقية من أصعب الاختبارات التي يواجهها الإعلام المعاصر، فالتفاعلية المقرونة بالوسائط الاجتماعية تضع القائم على أمر الخطاب الإعلامي أمام تحد حقيقي، فالروافد المتاحة عبر الوسائط قد تكون مُخاتلة وكاذبة، ولعلها في الأغلب الأعم تفتقر إلى المصدر، وبهذا المعنى يختل بناء الخبر الكلاسيكي الصادق، المُطالب حصراً بالعناصر الخمسة الشهيرة (المكان/ الزمان/ الشخصية/ الكيفية/ والسبب).• قد تنطوي الروافد الخبرية الثمينة للإعلام الاجتماعي على تجاوزات أخلاقية وقانونية، وقد تكون مثل تلك التجاوزات مُلتبسة بحيث لا يكتشف القائم على البث أمرها، ومن تلك التجاوزات: مخالفة الأعراف والعادات والتقاليد، والقذف بصورة مباشرة أو غير مباشرة، والتعامل مع التسريبات المغرضة والإشاعات المدمرة، ونشر ثقافة الكراهية العرقية والطائفية. ولهذه الأسباب مجتمعة يصبح التعامل مع إعلام الوسائط الاجتماعية مقروناً بقدر كبير من الحذر والتروي الواجبين. وإذا كانت الحقائق السابقة تتطلب إجابات مهنية عصيَّة على التطبيق، فإن ظاهرة الإرهاب تتطلب إجابات موازية أكثر تعقيداً، فهذه الظاهرة تتخذ أشكالاً متباينة بالتناسب مع تعدد وسائل الاتصال الإعلامي، ويمكن حصر تجليات الإرهاب في الإعلام المعاصر، وفق المتوالية الشبحية التالية: الخطابات الديماغوجية الصارخة التي تلهج بالدين، وتنطلق عبر الفضائيات المُشرْعنة، وغير المُشرعنة قانونياً. النصوص الكتابية والصوتية و«الصوتبصرية» التي تبث عبر التطبيقات الرقمية المتعددة، وتمعن في اجتزاء الخطابات الدينية من سياقاتها الطبيعية. الأخبار المخاتلة التي لا تكذب فحسب، بل يتم تسريبها عمداً لخلق البلبلة ونشر الفتنة. توصيف، وتصنيف الحقائق خارج سياقاتها الطبيعية، بحثاً عن تعميق الارتباكات المفاهيمية، والتاريخية. صناعة الأوهام «الميتافيزيقية»، كما لو أنها التعبير الوحيد عن مقاصد الشريعة. انخراط قطاعات واسعة من الشعبويين القاصرين في خطاب التحريض والفتنة، ممن ينبرون للخطاب في تلك الوسائط. تلك المقدمات وهي جزء من كل، كفيلة بتحويل الأوهام إلى سيكولوجيا مدمرة، فالأصل فيها مخاطبة الوجدان، وصناعة الأعداء، وتعمير بيئة خرائب دونكيشوتية. لكن هذه العوامل المتعلقة بالخصوصية العربية الإسلامية ليست بمنأى عن الأجندات الغامضة لصناع الموت والدمار، من الذين ساهموا في خلق البيئة المناسبة لازدهار ونماء التطرف، ما يقتضي البحث عن الأسباب الجوهرية وراء هذه الظاهرة الخطرة. وعلينا هنا أن نعترف بأن الظاهرة ليست حكراً على دين، أو ملة بذاتها، ولكنها تسير بخُطى متصاعدة في العالم الواسع، وهو ما يقتضي النظر بإمعان إلى الرافد الإعلامي في معادلة الإرهاب. omaraziz105@gmail.com