×
محافظة المنطقة الشرقية

اقتصادي / الموارد البشرية بغرفة جدة تؤكد قدرة الاقتصاد السعودي على توليد فرص عمل متنوعة

صورة الخبر

وانتهت الرحلة يا أبا عبدالله.. وكل رحلة طالت أم قصرت سوف تنتهي وتتوقف.. وقد توقف قلبك عن الخفقان والوجيب، فأسلمت الروح إلى بارئها.. وتلك سنّة الخالق في خلقه، فلا شيء يبقى إلا وجهه.. وإذا كنت قد رحلت عن دنيانا الفانية فإنك ستظل باقياً حياً في قلوب الكثيرين من محبيك وعشاق حرفك، ومن ترعرعوا وتعلموا فن الصحافة على يديك.. عشرات من الكتّاب، والصحفيين تتلمذوا في مدرستك.. فمدرسة تركي السديري الصحفية تكاد تكون أكاديمية لفنون الصحافة.. أكثر من خمسين عاماً وأنت تكتب، وتوجه وترشد.. خمسون عاماً والقلم في كفك يقدح الكلمات منه شرراً حيناً، وتورق بالإخضرار والزهر أحياناً كثيرة.. كنت رجلاً عصامياً، وكنت أيضاً إنساناً عاصفاً، تؤمن بأن الكتابة عناء، ومشقة، وتوتر، وانفعال.. فالكتابة الباردة هي عمل فاتر، ودلالة على الخمول، والكسل، وقلّة الهمّة الصحفية والابداعية.. ومثلما أن لك محبين كثر، فكان لك مناوئون أيضاً وتلك من أعباء، ومشاق المهنة الصحفية.. كنت تريد أن تتحرر من قيد الجمود، وتقفز نحو أفق الصحافة المتحركة، والمتحولة، والتي تمارس عملها وفقاً لمعايير العصر، وظروفه، ومتطلباته، فواجهك ما واجهك، من تحدٍ، وصِدام، وربما لوم، وتجريح.. ولكنك في الوقت ذاته، لا تخرج عن نطاق المهنية.. فكثيراً ما عملت بنفس القائد الذي لا توقفه بعض المعاثر.. وكنت في الوقت ذاته لا تخرج عن نطاق المهنية فكثيراً أيضاً ما تعاملت مع أصحاب القلم الصادق بانفتاح، وقبول، بل ربما أعطيتهم فسحة من الحرية، فوق ما يعطيهم الآخرون، حتى وإن اختلفت مع الكاتب في وعيه، وفكره، وذلك أنك تؤمن بالجودة، والطرح الراقي النزيه، بصرف النظر عن اختلاف الرؤية، والميول.. وبذا كانت "الرياض" زينة الصحافة السعودية، والجريدة التي فرضت شخصيتها، المؤثرة، وذات الاحترام، والهيبة في نفسية القارئ، وهذا ليس تقليلاً من بقية الصحف، فكل صحيفة لها رونقها، ومتعتها الخاصة، ولكن جريدة الرياض لها فرادتها ونكهتها التي تميزها عمن سواها.. اليوم تبكيك الرياض، كما تبكي الفرس الأصيل فارسها حينما يسقط في غبار المعركة.. غير أنك ستظل حياً نابضاً في قلبها، حاضراً في وجدانها، كما تحتفظ السلة الأثرية، بنقوشها، وأحرفها.. ليس هذا فحسب بل سيفقدك أناس آخرون، هم أولئك الضعفاء الذين كنت تقوم على رعايتهم، احتساباً لله، وهذا ربما لا يعرفه الكثيرون، أمّا وقد رحلت فلابد من كشفه، لقد كنت رجل خير، وكانت حاسة الإيمان بالله تشغلك، فكم كنت تذهب لصلاة الجمعة في مسجد "ريجنت بارك" بلندن أيام اصطيافك فيها وكنت تقول: كل شيء يمكن التهاون فيه إلا الصلاة.. بل كنت تقف مع من تخلف معهم في أزماتهم، حيث تقودك شهامتك نحو التعالي على صغائر الاختلاف، وكل الذين كانوا يعملون معك يعرفون هذه السجيّة الرائعة، والأخلاق الشريفة التي تدل على الشهامة، وروعة الفارس النبيل.. واليوم تترك قلمك باكياً بلا وارث، بعد طول رفقة وأصحاب فقد أوهنك التعب والمرض، فمررت بسلسلة طويلة من المتاعب الجسدية، والرهق النفسي، وكنت رغم ذلك صابراً محتسباً، تخفي، ما لا تبدي من تلك المتاعب، والمصاعب.. كنت قليل التشكي أو التذمّر من معاناتك، وحمولك الجسام.. كنت تتحدث عن شؤون السياسة، والصحافة، والثقافة كما لو كنت في زهرة شبابك واكتمال صحتك، حتى قضيت نحبك، وأنت تمضي أيامك في جلادة وصبر.. وها أنت قد مضيت.. واستكملت رحلتك حيث تكون البدايات متصلة بالنهايات، وقد تركت وراءك هذا الإرث الرائع، والتاريخ الرائع، وهذه لحظة لا نملك لك فيها فيها إلا الدعاء الصادق بالمغفرة، والرضوان في هذا اليوم الذي لم يعد ينفع فيه مال، ولا بنون، إلا من أتى الله بقلب سليم، وأعرف أنك ذو قلب سليم، ورحمة الله وسعت كل شيء، فإلى رحمة رب غفور.. وسلام عليك يا أبا عبدالله..