×
محافظة الرياض

عام / إدارة مرور الرياض تهيب بالمواطنين والمقيمين متابعة تعليمات حركة المرور ليومي السبت و الأحد

صورة الخبر

< قبل سنوات عدة، وبينما كنت على موعد مع رحلة على متن الخطوط الجوية السعودية، وعندما كنت أبحث عن المقاعد المخصصة لي ولعائلتي، إذ بثلاث سيدات استولين على المقاعد المخصصة لنا، وهذا شائع الحدوث أثناء الرحلات، وليس هذا ما استوقفني، على رغم استيلائهن على مقاعد ركاب حرصوا على الحجز المبكر للحصول على مقاعد مناسبة لهم، مع إمكان التنازل عن هذا الحق من أجل حال إنسانية تستلزم التعاون والمرونة تجاهها، ولكن ما استوقفني هو عند محاولتي التحدث إلى السيدات، لم يتجاوبن معي إطلاقاً، فطلبت مساعدة أحد أفراد الطاقم، عندما لاحظ وجود مشكلة، فطلب منهن بطاقات صعود الطائرة والتي تحمل أرقام مقاعدهن حتى يتم حل المشكلة، ولكن لا حياة لمن تنادي، ولم تصدر منهن أدنى حركة، ما أثار شكوك أفراد الطاقم، وتسبب في قلق وارتباك الركاب. عرف موظفو الطائرة أنه لا جدوى من محاولة التحدث إليهن، فأنهوا النقاش والذي كان من طرف واحد. هذا الموقف دفعني للتساؤل أين ثقافة الحوار عند سيدات من مجتمعي؟ لماذا قد يسيء أشخاص إلى أنفسهم بهذه الطريقة من أجل رغبتهم في الحصول على أمر ما كان بمقدورهم الحصول عليه بطريقة أكثر تحضراً ورقياً وأدباً؟ لماذا يفتقد بعض أفراد المجتمع مهارة الحوار؟ هل للأسرة والمدرسة وعناصر أخرى دور في انعدام القدرة على دخول الفرد في حوار من أي نوع؟ وهنا أشدد على دور الأسرة لأنها المؤسسة الأولى عن بناء شخصية الطفل قبل التحاقه بالمدرسة، والتي تأتي في المرتبة الثانية بعد الأسرة. بالتأكيد هناك نماذج ومشاهد تربوية خاطئة تعصف بثقافة الحوار في مجتمعنا، فعلى سبيل المثال لا الحصر، عندما نشاهد بعض الآباء يفضلون متابعة مسلسل يستمر ساعات طويلة على الاستماع لطفلهم دقائق معدودة، أو مقاطعة كلام الطفل اختصاراً للوقت، والبعض ينظر للطفل نظرة دونية كيف يجرؤ على التحدث إلى شخص أكبر منه سناً ويعتبرون ذلك من إساءة الأدب. وقد يلجأ الوالدان إلى التحدث بالنيابة عن أبنائهما في التجمعات العائلية حتى لا يخطئون في الكلام أو يضايقون الضيف، بل ويجيبان على الأسئلة الموجهة إلى أطفالهما وكأن الطفل لا يستطيع الكلام. ومشهد آخر حين نرى الأب يتحدث نيابة عن ابنته لإكمال إجراءاتها في المستشفى أو في الأسواق أو في الإدارات الحكومية بدلاً من أن يلعب دور الداعم والمصحح لأخطائها وليس أن يحل محلها في ممارسة الحياة، أضف إلى ذلك انتشار أجهزة التكنولوجيا في المجتمع لتأخذ دور الأسرة في التربية وتغرس القيم والمبادئ الخاطئة والفاسدة في نفوس وعقول الأطفال، وغيرها من أساليب التربية الخاطئة والتي انغمست فيها البنية التحتية للمجتمع ألا وهي الأسرة. وعندما يتكرر على أسماع الطالب منذ لحظة دخوله إلى المدرسة عبارات قمعية مثل: اسكتوا.. ولا صوت.. لا أحد يتكلم، وهلم جرا ما قد يواجه الطفل طوال سنوات دراسته فهنا يحصد مجتمعنا أفراداً لا يجيدون أساسيات الحوار، وبالتالي نجد الحوار بهذا الضعف والتدني. ولتدارك المشكلة أرى ضرورة خلق جسر من الرسائل التربوية والتوعوية بين المدرسة والأسرة، يمكن أن تكون أسبوعية، لإعادة أسلوب تربية الطفل إلى الطريق الصحيح عن طريق تذكير الوالدين وبشكل دوري بأهمية الحوار الأسري في بناء شخصية أبنائهما، وبالتالي يصبح الحوار مــن أساســيات يوميــات الأســرة. توعية المعلم من مساوئ وسلبيات قمع الطالب بأي أسلوب كان، بل ترك المجال له للتعبير عما في نفسه بالأسلوب الذي يرغبه من دون إلجامه أو إسكاته، يمنع استخدام عبارات القمع منعا باتاً، بل استبدالها بعبارات تربوية محفزة ونصائح مفيدة لبناء الشخصية المحاورة، طرح مواضيع لمساعدتهم في النقاش والحوار في ما بينهم، إدراج حصص أسبوعية للنقاش مع الطلاب حول ما يستجد من أخبار اجتماعية أو اقتصادية أو غيرها بما يتناسب وأعمارهم، حتى يصحح المعلم للطلاب الأخطاء التي يقعون فيها أثناء المحاورة والنقاش، ويبين لهم قواعد وأسس الحوار الصحيح بأسلوب عملي بعيداً عن التعليم النظري، ويتبادلون الآراء حول المواضيع بعقلانية واحترام، من دون الانزلاق في شجار، أو محاولة فرض الرأي. ويوضح لهم المعلم ضرورة الابتعاد عن الانفعال والتوتر، واحترام الرأي الآخر، والتدرب على مهارة الإصغاء والنقد البناء. إن غرس ثقافة الحوار في الأسرة ثم في المدرسة يساعد في صقل شخصية الفرد، تقوية العقل والتفكير الصحيح ونبذ الاعتقادات الخاطئة، يساعد في تقبل آراء الآخرين بكل احترام ورقي، يقوي الثقة بالنفس فكم من قدرات هائلة دفنت ولم تظهر للعيان، بسبب عدم جرأة أصحابها على المحاورة والنقاش وإثبات وجهات النظر، حان الوقت لتأصيل ثقافة الحوار في المجتمع على أسس عملية مدروسة ابتداء بالأسرة والمدرسة فهما الأساس في تقوية الفرد أمام ما قد يواجهه من ظروف وتحديات، وبالتالي حماية المجتمع من انزلاق أفراده في مهاترات ومشكلات عدة قد تعصف بالمجتمع ككل.     * باحثة سعودية.