نشأت هيام، في كنف أسرة بسيطة في أحد الأحياء الشعبية، ولها شقيقتان و4 أشقاء، والأسرة كلها تعيش في شقة ضيقة، يتسابق فيها الجميع للحصول على مكان للنوم قبل الآخر، ومن يتأخر، فعليه أن يقضي ليلته على أحد الكراسي غير المريحة، حتى يخلو له مكان، ورغم شعور هيام بوضعها الاجتماعي والمادي، كان تحصيلها الدراسي ضعيفاً، وحصلت على دبلوم الثانوي التجاري بصعوبة بالغة، وخلال هذه السنوات العجاف، وجدت في جارها محمود، الواحة الظليلة التي تهرب إليها من حياة القيظ والشظف التي تعيش فيها، وجدت في حواره متعة، وفي جواره لذة، أما مناجاته فكانت السلوى التي تتذكرها في كل لحظة أثناء تواجدها في شقتها الضيقة المزدحمة دائماً بأجساد الإخوة والأخوات، والصاخبة بأصواتهم، ثلاث سنوات بالتمام، عاشت هيام تنهل من هذا المنهل العذب، واكتملت قصة حبها بالفرحة الكبرى، يوم أن أتم حبيبها دراسته الجامعية، وحصل على بكالوريوس التجارة، يومها نفذ وعده لها، وطلب منها أن تحدد موعداً مع أسرتها، ليتقدم لخطبتها، كادت هيام تطير من شدة الفرحة، وهي تقص على أمها ما حدث، وأعلنت الأم موافقتها، بشرط أن يتحمل الخطيب القادم تبعات الزواج ونفقاته، ويكفي ما أنفقوه عليها، حتى حصلت على شهادتها المتوسطة، وعليها الآن أن تساعد نفسها وتساهم في تكوين عشها القادم، وافقت هيام صاغرة، وفي حذر ساقت إلى حبيبها شرط الأسرة، فوافق أيضاً، ووعدها ببذل كل جهده، من أجل الفوز بها، فالحياة معها لا تقدر بكل كنوز الدنيا.تمت مراسم الخطوبة بسرعة وبدون مدعوين، «فالعين بصيرة واليد قصيرة» كما يقول المثل الشعبي، وشهد أفراد الأسرتين الحفل، ووضع العريس في يد عروسه دبلة الخطبة، وهي كذلك، وتناولا «الشربات».عامان كاملان مرا بعد إعلان الخطبة، لكن لم تفلح كلمات الحب والهيام ولقاءات الغرام، أن تهرب بهما بعيداً عن الواقع، فالأموال التي بين يدي الخطيب لا تسد الرمق، فما بالك بتأثيث بيت للزوجية، أعلن كلاهما التمرد ورفضا الانصياع لصوت القلب، وقررا الانفصال، وتمنى كل منهما للآخر حظاً سعيداً مع إنسان آخر.الدموع التي انسابت على خدي هيام، عقب فشل الخطبة، دفعتها للبحث عن عمل يخرج بها من هذه الحالة النفسية، وعندما قرأت إعلاناً في الصحف، عن طلب سكرتيرة لإحدى شركات التصدير والاستيراد، تقدمت على الفور، وفور أن شاهدها صاحب الشركة، أصدر أوامره بتعيينها فوراً، سكرتيرة خاصة له، ومنذ اليوم الأول لعملها في الشركة، ألقى كلاهما بشباكه على الآخر، هي شدته إليها بجمالها وفتنتها، وبالرغم من أنه يكبرها بأكثر من 35 عاماً، فقد بهرها بثرائه الفاحش، وطابور السيارات الفاخرة التي يمتلكها، علاوة على معاملته الرقيقة؛ لذلك لم تصده عندما بدأ في إسماعها كلمات الغزل والإعجاب، أحبته وتعلقت آمالها به، وصدقت كل كلماته، وتأثرت عندما روى لها قصته مع زوجته وكيف أنه مظلوم معها، لانشغالها الدائم عنه بأولادها وبالجمعيات الخيرية العديدة التي تشارك فيها، وعرض على هيام الزواج، لكنه اشترط أن يكون سرياً خوفاً على مشاعر زوجته الأولى وأولاده، الذين في مثل عمرها، كما اشترط عليها عدم الإنجاب، وافقت هيام، على كل شروطه بلا مناقشة أو تردد، ورغم بعض الاعتراضات التي أبداها أبوها، خاصة كون الزواج سرياً، فقد تم الزواج في حفل عائلي بسيط، وسافر العروسان إلى إحدى الدول الأوروبية لقضاء شهر العسل، بعد أن ادعى زوجها لأسرته أنه في رحلة عمل، وشعرت هيام، أنها في سعادة بالغة، فقد حققت حلم حياتها، وأقامت أخيراً في شقة واسعة، كما كانت تتمنى دائماً، وكان من الطبيعي أن تتوقف هيام، عن الذهاب إلى العمل بالشركة، وأصبحت تمضي ساعات طويلة بمفردها في الشقة، فقد كان زوجها لا يسمح لها بالذهاب إلى أسرتها، إلا على فترات متباعدة، كما شعرت أنه لا يرحب بزيارة أحد منهم لها في بيتها.ليالٍ قليلة فقط هي التي أمضاها معها زوجها في المنزل، وهي التي كان يتعلل فيها لأسرته بالسفر لدواعي العمل، أما باقي الليالي، فكانت تقضيها بمفردها، لذلك عندما شعرت بأعراض الحمل، وتأكدت من حملها، كادت تطير من فرط السعادة، لكن زوجها كان على العكس من ذلك، وفور أن علم بأمر الحمل، انتابته ثورة عارمة من الغضب والهياج، واتهمها باتهامات بشعة، وأقسم عليها بالطلاق أن تتخلص من الجنين، وعندما رفضت حاول إجهاضها بيديه، ولم يتوقف إلا بعد أن شارفت على الموت، أخذ يبحث عن طبيب معدوم الضمير، لكي يقوم بإجهاضها، لكن بلا جدوى، فطردها من الشقة، وعقب ولادة الطفل استخرجت شهادة ميلاده باسم أبيه ضاربة عرض الحائط بتهديداته لها بنفي نسبه، وبالفعل نفذ تهديده وأسرع إلى محكمة الأسرة، وأقام دعوى يطلب فيها إنكار نسب الطفل إليه، لكن أمام شهادة الشهود ووثيقة الزواج، قضت المحكمة برفض الدعوى، وأكدت نسب الطفل لأبيه، وطالبته بالطلاق، بعد أن وصلت الحياة بينهما إلى طريق مسدود، لكنه رفض وساومها على الطلاق، مقابل أن تتنازل له عن جميع مستحقاتها الشرعية، وإلا فعليها أن تقيم دعوى خلع، ورفضت هيام، اللجوء إلى هذا الطريق، وذكرته بأنها وهبته شبابها ونفسها، وأعادت إليه رجولته وفحولته، التي ظن أنها غادرته، وطالبته بأن يسدد إليها فاتورة ما حصل عليه، وإلا ستلجأ للقضاء للحصول على حقوقها، ووقتها ستكون الفضيحة على كل لسان، لم يعبأ زوجها بتهديداتها، وظن أنها مجرد كلمات في الهواء، وأنها لن تجرؤ على الوقوف أمامه في المحاكم، وحتى لو أرادت، فكيف ستأتي بالأموال اللازمة للتقاضي؟سخر منها وطالبها بأن تفعل لو كانت تستطيع، أثارت كلماته الغضب الكامن في أعماقها، وأقامت دعوى طلاق للضررين: النفسي والمعنوي، اللذين لحقا بها، وأصدرت المحكمة حكمها بتطليقها طلقة بائنة للضرر، مع احتفاظها بكل حقوقها الشرعية، وقالت في الأسباب: إن نفي الزوج نسب ابنه إليه، يعتبر طعناً في شرف زوجته وكرامتها، ويدخل في باب التشهير بارتكاب إحدى الكبائر، ولا يستقيم معه بعد ذلك استمرار الحياة الزوجية بينهما، بعد أن أصاب زوجته بضرر لا يضاهيه ضرر، ومن ثم تقضي المحكمة بتطليقها.