فقدت الكويت برحيل رئيس مجلس الأمة السابق، المغفور له بإذن الله تعالى، جاسم محمد الخرافي، أحد أبنائها المخلصين، وأبرز رموزها السياسية. سنتان مضتا على رحيله، وكأنهما عقد من الزمن.. وربما أكثر. إن الفراغ الذي خلفه بو عبدالمحسن يصعب على أي سياسي ملؤه، فمن سيسدّ مكانه، وهو النائب والوزير الذي بدأ حياته السياسية في عام ١٩٧٥، وأصبح رئيساً للمجلس، واحتفظ بمنصبه بالانتخاب والتزكية لمدة ١٣ سنة متتالية منذ مجلس ١٩٩٩، إلى أن قرر اعتزال الحياة السياسية. نشأت علاقتي مع الخرافي، رحمه الله تعالى، في عام ٢٠٠٧ عندما كنت ألتقيه في المناسبات الاجتماعية والفعاليات السياسية المختلفة التي كانت تنتدبني الصحيفة لتغطيتها، ثم تعرفت عليه عن كثب عندما انتقلت للعمل كمحرر برلماني في مجلس الأمة، وفي هذه المرحلة كنت التقيه بشكل يومي في المجلس بحكم المهنة. لا يمكنني نسيان تعامله الأبوي معي شخصياً ومع بقية الزملاء المحررين البرلمانيين طوال فترة عملنا، كما لا يمكنني تجاوز سعة صدره في استقبال أسئلتنا وتساؤلاتنا الملحّة في كل فرصة تسنح لنا معه، كان يرد على كل استفساراتنا، كما كان يطلعنا باستمرار على آخر التطورات للأوضاع السياسية. زاد إعجابي بالمرحوم بشكل أكبر عندما اعتزل العمل السياسي وقبوله طلبي بتضمين شهادته في كتابي الذي أصدرته تحت عنوان «١٤ يوما هزّت الكويت»، والذي تناولت فيه أزمة الحكم في ٢٠٠٦ التي انتهت بتنصيب سمو الأمير الشيخ صباح الأحمد الصباح، حفظه الله تعالى ورعاه، والفراغ الدستوري الذي عاشته البلاد بعد وفاة سمو الأمير الراحل الشيخ جابر الأحمد الصباح. تعددت لقاءاتي مع الخرافي بحكم الإعداد لهذا الكتاب، وزودني بجميع المعلومات حول الموضوع ودوره في تلك الأحداث التي لم تشهدها الكويت أو المنطقة من قبل، والقرارات التي اتخذها برفقة أعضاء المجلس لاستقرار البلد عبر الاحتكام إلى الدستور ومواده، ولم أتوقع أن يكون صريحاً معي لهذه الدرجة في حواراتي المتعددة معه، التي طلب تسجيلها والاحتفاظ بها للتاريخ. مع اقتراب نهاية كل لقاء كان يحرص على تزويدي ببعض النصائح الحياتية، لعل أقربها إلى قلبي رد فعله عندما أبلغته نيتي الزواج، فبارك لي ونصحني بإيفاد أبنائي إلى أفضل المؤسسات التعليمية؛ فالتعليم من وجهة نظره الضمانة الوحيدة للآباء، للاطمئنان على سلامة مستقبل أبنائهم بعد وفاتهم. طارق عبدالله العيدانt.aleidan@gmail.com